مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1 الآية.
فإذا ثبت لك أن الكفار يقرون بذلك عرفت أن قولك، لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله، لا يُصَيِّرُكُ مسلمًا حتى تقول: لا إله إلا الله مع العمل بمعناها. فهذه الأسماء كُلٌّ منها له معنًى يخصه.
أما قولك: الخالق؛ فمعناه الذي أوجد جميع مخلوقاته بعد عدمها. وأما قولك: الرازق؛ فمعناه أنه لما أوجد الخلق أجرى عليهم أرزاقهم. وأما المدبر: فهو الذي تنْزل الملائكة من السماء إلى الأرض بتدبيره، وتصعد إلى السماء بتدبيره، ويسير السحاب بتدبيره، وتصرف الرياح بتدبيره، وكذا جميع خلقه، هو الذي يدبرهم على ما يريد. فهذه الأسماء تتعلق بتوحيد الربوبية الذي يقر به الكفار.
وأما توحيد الألوهية فهو قولك: لا إله إلا الله، وتعرف معناها كما عرفت معنى الأسماء المتعلقة بالربوبية، فقولك: لا إله إلا الله نَفْيٌ وإثباتٌ: فتنفي الألوهية كلها عن غير الله، وتثبتها لله وحده، فمعنى الإله في زماننا: الشيخ والسيد الذي يقال فيهم سر ممن يعتقد فيهم أنهم يجلبون منفعة أو يدفعون مضرة.
فمن اعتقد في هؤلاء أو غيرهم؛ نبيا كان أو غيره هذا الاعتقاد فقد اتخذه إلها من دون الله، فإن بني إسرائيل لما اعتقدوا في عيسى ابن مريم وأمه سَمَّاهم لله إلهين، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} 2.
ففي هذا دليل على أن مَن اعتقد في مخلوق جَلْبَ منفعةٍ أو دفعَ مضرةٍ فقد اتخذه إلها، فإذا كان الاعتقاد في الأنبياء هذه حاله فما دونهم أولى.