ومعاداتهم، كما قال أبوك إبراهيم والذين معه لقومهم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} 1. وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} 2 الآية، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 3.
ولو قال رجل: أنا أتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الحق، لكن لا أتعرض للات والعزى، ولا أتعرض لأبي جهل وأمثاله، ما عليَّ منهم؟ لم يصح إسلامه.
وأما مجادلة بعض المشركين بأن هؤلاء الطواغيت ما أمروا الناس بهذا ولا رضوا به، فهذا لا يقوله إلا مشرك مكابر، فإن هؤلاء ما أكلوا أموال الناس بالباطل ولا ترأسوا عليهم، ولا قربوا ما قربوا إلا بهذا، وإذا رأوا رجلا موحدا منكرا لهذا الشرك سبوه وآذوه، وإذا رأوا مشركا كافرا تابعا للشيطان قربوه وأحبوه وزوجوه بناتهم وعَدُّوا ذلك شرفًا.
وهذا القائل يعلم أن قوله ذلك كذب، فإنه لو يحضر عندهم ويسمع بعض المشركين يقول: جاءتني شدة فجئت الشيخ فلان أو السيد فلان فنذرت له فخلصني، لم يجز أن يقول هذا القائل: لا يضر ولا ينفع إلا الله، بل لو قال هذا وأشاعه في الناس لأبغضه الطواغيت، بل لو قدروا على قتله لقتلوه. وبالجملة لا يقول هذا إلا مشرك مكابر، وإلا فدَعْوَاهم هذه وتخويفهم الناس، وذكرهم السوالف الكفرية التي اشتهرت عن آبائهم مشهور، لا ينكره من عرف حالهم كما قال تعالى: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} 4.
العبرة فيما ذكر الله عن المشركين إذا مسهم الضر
ولنختم الكتاب بذكر آية من كتاب الله فيها عبرة لمن اعتبر. قال تعالى في حق الكفار: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} 5، فذكر عن الكفار أنهم إذا جاءتهم الشدة تركوا غيره، وأخلصوا له الدين، وأهل زماننا إذا جاءتهم الشدة والضر التجؤوا إلى غير الله -سبحانه وتعالى- عن ذلك. فرحم الله مَن تفكر في هذه الآية وغيرها من الآيات.