وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُورِثُ الذُّلَّ وَلَا بُدَّ؛ فَإِنَّ الْعِزَّ كُلَّ الْعِزِّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10] أَيْ فَلْيَطْلُبْهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُهَا إِلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ.
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ أَعِزَّنِي بِطَاعَتِكَ وَلَا تُذِلَّنِي بِمَعْصِيَتِكَ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ ... وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ ... وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا
فَصْلٌ
الْمَعَاصِي تُفْسِدُ الْعَقْلَ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُفْسِدُ الْعَقْلَ، فَإِنَّ لِلْعَقْلِ نُورًا، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ نُورَ الْعَقْلِ وَلَا بُدَّ، وَإِذَا طُفِئَ نُورُهُ ضَعُفَ وَنَقَصَ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا عَصَى اللَّهَ أَحَدٌ حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَ عَقْلُهُ لَحَجَزَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ فِي قَبْضَةِ الرَّبِّ تَعَالَى، أَوْ تَحْتَ قَهْرِهِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَفِي دَارِهِ عَلَى بِسَاطِهِ وَمَلَائِكَتُهُ شُهُودٌ عَلَيْهِ نَاظِرُونَ إِلَيْهِ، وَوَاعِظُ الْقُرْآنِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ الْمَوْتِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ النَّارِ يَنْهَاهُ، وَالَّذِي يَفُوتُهُ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ السُّرُورِ وَاللَّذَّةِ بِهَا، فَهَلْ يُقْدِمُ عَلَى الِاسْتِهَانَةِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ ذُو عَقْلٍ سَلِيمٍ؟
فَصْلٌ
الذُّنُوبُ تَطْبَعُ عَلَى الْقُلُوبِ