وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ الْجَرَّاحِ: وَدِدْتُ أَنِّي كَبْشٌ فَذَبَحَنِي أَهْلِي، وَأَكَلُوا لَحْمِي وَحَسُوا مَرَقِي. وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ تَتَبُّعُهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يُحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَعْنِي فِي الْمُنَافِقِينَ، فَيَقُولُ: لَا، وَلَا أُزَكِّي بَعْدَكَ أَحَدًا.
فَسَمِعْتُ شَيْخَنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَيْسَ مُرَادُهُ لَا أُبْرِئُ غَيْرَكَ مِنَ النِّفَاقِ، بَلِ الْمُرَادُ لَا أَفْتَحُ عَلَى نَفْسِي هَذَا الْبَابَ، فَكُلُّ مَنْ سَأَلَنِي هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُزَكِّيهِ.
قُلْتُ: وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ» . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ عُكَاشَةَ وَحْدَهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ عَدَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَقَامَ آخَرُ وَآخَرُ وَانْفَتَحَ الْبَابُ، وَرُبَّمَا قَامَ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ، فَكَانَ الْإِمْسَاكُ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
ضَرَرُ الذُّنُوبِ فِي الْقَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ
فَلْنَرْجِعْ إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ دَوَاءِ الدَّاءِ الَّذِي إِنِ اسْتَمَرَّ أَفْسَدَ دُنْيَا الْعَبْدِ وَآخِرَتَهُ.
فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ، أَنَّ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ تَضُرُّ، وَلَا بُدَّ أَنَّ ضَرَرَهَا فِي الْقَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهَا فِي الضَّرَرِ، وَهَلْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَرٌّ وَدَاءٌ إِلَّا سَبَبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي، فَمَا الَّذِي أَخْرَجَ الْأَبَوَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ، دَارِ اللَّذَّةِ وَالنَّعِيمِ وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ إِلَى دَارِ الْآلَامِ وَالْأَحْزَانِ وَالْمَصَائِبِ؟
وَمَا الَّذِي أَخْرَجَ إِبْلِيسَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ وَطَرَدَهُ وَلَعَنَهُ، وَمَسَخَ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ فَجَعَلَ صُورَتَهُ أَقْبَحَ صُورَةٍ وَأَشْنَعَهَا، وَبَاطِنَهُ أَقْبَحَ مِنْ صُورَتِهِ وَأَشْنَعَ، وَبُدِّلَ بِالْقُرْبِ بُعْدًا، وَبِالرَّحْمَةِ لَعْنَةً، وَبِالْجَمَالِ قُبْحًا، وَبِالْجَنَّةِ نَارًا تَلَظَّى، وَبِالْإِيمَانِ كُفْرًا، وَبِمُوَالَاةِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ