التَّاسِعُ: أَنَّهُ لَا يَخْشَى أَنْ تَنِمَّ عَلَيْهِ هِيَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ جِهَتِهَا، فَإِنَّهَا هِيَ الطَّالِبَةُ الرَّاغِبَةُ، وَقَدْ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَغَيَّبَتِ الرُّقَبَاءَ.
الْعَاشِرُ: أَنَّهُ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَمْلُوكًا لَهَا فِي الدَّارِ، بِحَيْثُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَحْضُرُ مَعَهَا وَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْأُنْسُ سَابِقًا عَلَى الطَّلَبِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي، كَمَا قِيلَ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى الزِّنَى؟ قَالَتْ: قُرْبُ الْوِسَادِ، وَطُولُ السَّوَادِ، تَعْنِي قُرْبَ وِسَادِ الرَّجُلِ مِنْ وِسَادَتِي، وَطُولَ السَّوَادِ بَيْنَنَا.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهَا اسْتَعَانَتْ عَلَيْهِ بِأَئِمَّةِ الْمَكْرِ وَالِاحْتِيَالِ، فَأَرَتْهُ إِيَّاهُنَّ، وَشَكَتْ حَالَهَا إِلَيْهِنَّ؛ لِتَسْتَعِينَ بِهِنَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَعَانَ هُوَ بِاللَّهِ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 33] .
الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّهَا تَوَعَّدَتْهُ بِالسِّجْنِ وَالصَّغَارِ، وَهَذَا نَوْعُ إِكْرَاهٍ، إِذْ هُوَ تَهْدِيدُ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَ بِهِ، فَيَجْتَمِعُ دَاعِي الشَّهْوَةِ، وَدَاعِي السَّلَامَةِ مِنْ ضِيقِ السِّجْنِ وَالصَّغَارِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ الْغَيْرَةُ وَالنَّخْوَةُ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَيُبْعِدُ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، بَلْ كَانَ غَايَةَ مَا قَابَلَهَا بِهِ أَنْ قَالَ لِيُوسُفَ: {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} وَلِلْمَرْأَةِ: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} وَشِدَّةُ الْغَيْرَةِ لِلرَّجُلِ مِنْ أَقْوَى الْمَوَانِعِ، وَهُنَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ غَيْرَةٌ.
وَمَعَ هَذِهِ الدَّوَاعِي كُلِّهَا فَآثَرَ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَخَوْفَهُ، وَحَمَلَهُ حُبُّهُ لِلَّهِ عَلَى أَنِ اخْتَارَ السَّجْنَ عَلَى الزِّنَى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 33] .
وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ صَرْفَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّ رَبَّهُ تَعَالَى إِنْ لَمْ يَعْصِمْهُ وَيَصْرِفْ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ؛ صَبَا إِلَيْهِنَّ بِطَبْعِهِ، وَكَانَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ مَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ وَبِنَفْسِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الْعِبَرِ وَالْفَوَائِدِ وَالْحِكَمِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ فَائِدَةٍ، لَعَلَّنَا إِنْ وَفَّقَ اللَّهُ أَنْ نُفْرِدَهَا فِي مُصَنَّفٍ مُسْتَقِلٍّ.