وَهَا نَحْنُ أَسْلَافٌ لَكُمْ فِي انْتِظَارِكُمُ

سَيَجْمَعُنَا الْجَبَّارُ فِي نَارِهِ الْكُبْرَى ... وَلَا تَحْسَبُوا أَنَّ الَّذِينَ نَكَحْتُمُو

يَغِيبُونَ عَنْكُمْ بَلْ تَرَوْنَهُمْ جَهْرًا ... وَيَلْعَنُ كُلًّا مِنْكُمَا بِخَلِيلِهِ

وَيَشْقَى بِهِ الْمَحْزُونُ فِي الْكَرَّةِ الْأُخْرَى ... يُعَذِّبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِشَرِيكِهِ

كَمَا اشْتَرَكَا فِي لَذَّةٍ تُوجِبُ الْوِزْرَا

[فَصْلُ عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ وَعُقُوبَةِ الزِّنَى]

فَصْلُ

عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ وَعُقُوبَةِ الزِّنَى

فِي الْأَجْوِبَةِ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ جَعَلَ عُقُوبَةَ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ دُونَ عُقُوبَةِ الزِّنَى.

أَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ حَدًّا مُعَيَّنًا، فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ جَعَلَ حَدَّ صَاحِبِهَا الْقَتْلَ حَتْمًا، وَمَا شَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا شَرَعَهُ عَنِ اللَّهِ، فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ حَدَّهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِالشَّرْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ بِنَصِّ الْكِتَابِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاءُ حُكْمِهِ لِثُبُوتِهِ بِالسُّنَّةِ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا يَنْتَقِضُ عَلَيْكُمْ بِالرَّجْمِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ.

فَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ ثَبَتَ بِقُرْآنٍ نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ.

قُلْنَا: فَيُنْقَضُ عَلَيْكُمْ بِحَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ نَفْيَ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مُطْلَقِ الدَّلِيلِ وَلَا نَفْيَ الْمَدْلُولِ، فَكَيْفَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي نَفَيْتُمُوهُ غَيْرُ مُنْتَفٍ؟

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ وَطْءٌ لَا تَشْتَهِيهِ الطِّبَاعُ، بَلْ رَكَّبَ اللَّهُ الطِّبَاعَ عَلَى النَّفْرَةِ مِنْهُ، فَهُوَ كَوَطْءِ الْمَيْتَةِ وَالْبَهِيمَةِ، فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، مَرْدُودٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

الثَّانِي: أَنَّ قِيَاسَ وَطْءِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ الَّذِي فِتْنَتُهُ تَرْبُو عَلَى كُلِّ فِتْنَةٍ، عَلَى وَطْءِ أَتَانٍ أَوِ امْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، وَهَلْ يَعْدِلُ ذَلِكَ أَحَدٌ قَطُّ بِأَتَانٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ، أَوْ سَبَى ذَلِكَ عَقْلَ عَاشِقٍ، أَوْ أَسَرَ قَلْبَهُ، أَوِ اسْتَوْلَى عَلَى فِكْرِهِ وَنَفْسِهِ؟ فَلَيْسَ فِي الْقِيَاسِ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا.

الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مُنْتَقِضٌ بِوَطْءِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ، فَإِنَّ النَّفْرَةَ الطَّبِيعِيَّةَ عَنْهُ حَاصِلَةٌ مَعَ أَنَّ الْحَدَّ فِيهِ مِنْ أَغْلَظِ الْحُدُودِ - فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ - وَهُوَ الْقَتْلُ بِكُلِّ حَالٍ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015