وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ قَالَ: نَظَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ.
وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْكُ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» .
وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» .
هَذِهِ عُقُوبَةُ قَاتِلِ عَدُوِّ اللَّهِ إِذَا كَانَ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ، فَكَيْفَ عُقُوبَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ؟ وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا وَعَطَشًا، فَرَآهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّارِ وَالْهِرَّةُ تَخْدِشُهَا فِي وَجْهِهَا وَصَدْرِهَا، فَكَيْفَ عُقُوبَةُ مَنْ حَبَسَ مُؤْمِنًا حَتَّى مَاتَ بِغَيْرِ جُرْمٍ؟ وَفِي بَعْضِ السُّنَنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» .
فَصْلٌ
جَرِيمَةُ الزِّنَى
وَلَمَّا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الزِّنَى مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِمَصْلَحَةِ نِظَامِ الْعَالَمِ فِي حِفْظِ الْأَنْسَابِ، وَحِمَايَةِ الْفُرُوجِ، وَصِيَانَةِ الْحُرُمَاتِ، وَتَوَقِّي مَا يُوقِعُ أَعْظَمَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، مِنْ إِفْسَادِ كُلٍّ مِنْهُمُ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ وَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ وَأُمِّهِ، وَفِي ذَلِكَ خَرَابُ الْعَالَمِ، كَانَتْ تَلِي مَفْسَدَةَ الْقَتْلِ فِي الْكِبَرِ، وَلِهَذَا قَرَنَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُنَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَا أَعْلَمُ بَعْدَ قَتْلِ النَّفْسِ شَيْئًا أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَى.
وَقَدْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ حُرْمَتَهُ بِقَوْلِهِ: