مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ رَسُولًا صَادِقًا فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ جَاءَ بِمَا يُخَالِفُ دِينَ النَّصَارَى، فَيَلْزَمُ إِذَا كَانَ رَسُولًا صَادِقًا أَنْ يَكُونَ دِينُ النَّصَارَى بَاطِلًا، وَإِنْ قَالُوا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُمْ رَسُولًا صَادِقًا مُبَلِّغًا عَنِ اللَّهِ وَحِينَئِذٍ، فَسَوَاءٌ قَالُوا: هُوَ مَلِكٌ عَادِلٌ، أَوْ هُوَ عَالِمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَوْ هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الصَّالِحِينَ، أَوْ جَعَلُوهُ قِدِّيسًا عَظِيمًا مِنْ أَعْظَمِ الْقِدِّيسِينَ، فَمَهْمَا عَظَّمُوهُ بِهِ وَمَدَحُوهُ بِهِ لِمَا رَأَوْهُ مِنْ مَحَاسِنِهِ الْبَاهِرَةِ وَفَضَائِلِهِ الظَّاهِرَةِ وَشَرِيعَتِهِ الطَّاهِرَةِ، مَتَى كَذَّبُوهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ أَوْ شَكُّوا فِيهَا كَانُوا مُكَذِّبِينَ لَهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَلَّغَ هَذَا الْقُرْآنَ عَنِ اللَّهِ، وَمَنْ كَانَ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ حُجَّةً أَلْبَتَّةَ، لَكِنَّ لَهُ أُسْوَةَ أَمْثَالِهِ.
فَإِنْ عُرِفَ صِحَّةُ مَا يَقُولُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، قُبِلَ الْقَوْلُ ; لِأَنَّهُ عُرِفَ صِدْقُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، لَا لِأَنَّهُ قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ صِحَّةُ الْقَوْلِ لَمْ يُقْبَلْ
فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُقِرُّ لِمَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كُلِّ مَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ مَعْصُومٌ عَنِ اسْتِقْرَارِ الْكَذِبِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَمْ يَصِحَّ احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ.