أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيُرِيهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي الْآفَاقِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ بِأَنْ يَرَوْا مَا أَخْبَرَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] .
فَإِنَّهُ قَدْ يَشْهَدُ لِلْقُرْآنِ بِأَنَّهُ حَقٌّ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ الَّتِي تَتَبَيَّنُ بِشَهَادَةِ الرَّبِّ تَعَالَى بِأَنَّهُ حَقٌّ، فَلَا يَحْتَاجُ مَعَ الشَّهَادَةِ الْحَاضِرَةِ إِلَى انْتِظَارِ الْآيَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ - وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ - وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ - وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ - حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: 1 - 5] .
أَخْبَرَ بِاقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ، وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ قَدْ عَايَنُوهُ وَشَاهَدُوهُ وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ فِي الْمَجَامِعِ الْكِبَارِ مِثْلَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ ; لِيُسْمِعَ النَّاسَ مَا فِيهَا مِنْ آيَاتِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِهَا وَالِاعْتِبَارِ، وَكُلُّ النَّاسِ يُقِرُّ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُهُ، فَعُلِمَ أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ عَامَّةً. ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ الْأَنْبِيَاءِ وَمُكَذِّبِيهِمْ، فَقَالَ: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ - فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ - فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ - وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ - وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ - تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ - وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 9 - 15] .