الدَّلِيلِ فِي نَفْسِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ بِهِ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ أَبَدًا هُوَ مَا اسْتَلْزَمَ الْمَدْلُولَ، فَكُلُّ مَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلشَّيْءِ كَانَ دَلِيلًا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَمَعْرِفَةِ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ ثُمَّ إِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ صَارَ ضَرُورِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ ضَرُورِيًّا بِلَا وَاسِطَةِ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَيْسَ الْعِلْمُ بِالْمُعَيَّنَاتِ كَالْعِلْمِ بِصِدْقِ هَذَا وَكَذِبِ هَذَا، مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْقِيَاسِ الشُّمُولِيِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُفِيدُ بِتَوَسُّطِ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ، وَالْمُعَيَّنَاتُ قَدْ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ خِبْرَةٍ بِحَالِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ.
وَإِذَا كَانَ الْقَائِلُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَأَصْدَقِهِمْ، وَأَبَرِّهِمْ، وَأَفْضَلِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرَارِ النَّاسِ، وَأَكْذَبِهِمْ، وَأَفْجَرِهِمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ، كُلٌّ مِنْهَا يُعْرَفُ بِهِ صِدْقُ هَذَا وَكَذِبُ هَذَا، وَكَانَتِ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ قَدْ تَحْصُلُ عِنْدَ سَمَاعِ خَبَرِ هَذَا وَخَبَرِ هَذَا، وَرُؤْيَةِ وَجْهِهِ، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ، وَمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَيَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ بَهْجَةِ الصِّدْقِ وَنُورِهِ، وَمِنْ ظُلْمَةِ الْكَذِبِ وَسَوَادِهِ وَقُبْحِهِ.
يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَحْصُلُ لَهُمْ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ بِأَنَّ