وَأَمَّا وَصْفُ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَثِيرٌ جِدًّا لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ بُعِثَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، فَلِذَلِكَ وَصَفَ الْقِيَامَةَ بِمَا لَمْ يَصِفْهَا بِهِ غَيْرُهُ كَمَا ذَكَرَ الْمَسِيحُ - فِي صِفَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِكُلِّ مَا يَأْتِي، وَيُعَرِّفُكُمْ جَمِيعَ مَا لِلرَّبِّ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يُثْبِتُ مَعَادَ الْأَبْدَانِ فَقَطْ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ الْمُبْتَدِعِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَحْكِي هَذَا الْقَوْلَ عَنْ جُمْهُورِ مُتَكَلِّمِي الْمُسْلِمِينَ، أَوْ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ غَلَطٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ نُظَّارِهِمْ، بَلْ هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مُتَكَلِّمِيهِمُ الْمُبْتَدِعَةِ، الَّذِينَ ذَمَّهُمُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: الْمَعَادُ لِلنَّفْسِ النَّاطِقَةِ بِالْمَوْتِ فَقَطْ، وَأَنَّ الْأَبْدَانَ لَا تُعَادُ. وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ لَا الْمُسْلِمِينَ وَلَا الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى. بَلْ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِعَادَةِ الْأَبْدَانِ، وَعَلَى الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى. وَلَكِنَّ مَنْ تَفَلْسَفَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَوَافَقَ سَلَفَهُ مِنَ الصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنَّ الْمَعَادَ لِلرُّوحِ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ خَاطَبُوا الْجُمْهُورَ بِمَعَادِ الْأَبْدَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ وَخَاطَبُوهُمْ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ، وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُظْهِرُوا الْحَقَائِقَ لِلْخَلْقِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015