صِحَّةِ ذَلِكَ النَّقْلِ، بَلْ غَايَتُهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا طَرِيقًا ظَنِّيًّا لَا يُفِيدُهُمْ إِلَّا الظَّنَّ، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ.
فَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُمْكِنُ صَاحِبَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ أَنْ يَعْلَمَهُ عِلْمًا يَقِينًا لَا يَرْتَابُ فِيهِ.
وَمَا يُنَاقِضُهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ مِنْهُ إِلَّا الظَّنُّ وَالتَّقْلِيدُ، وَكِلَاهُمَا لَا يُنَاقِضُ الْعِلْمَ، فَهَذَا أَصْلٌ جَامِعٌ. ثُمَّ الْعَارِفُ يُعَبِّرُ عَنْهُ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ بِحَسَبِ مَا يُوَصِّلُ مَعْنَاهُ إِلَى ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا ثَبَتَ عَنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ لَهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَا شَرْعِيٌّ وَلَا عَقْلِيٌّ، وَهَذَا نَعْلَمُهُ مُجْمَلًا.
وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فَنَقُولُ: مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَقْلِيَّةً وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَمْعِيَّةً؛ أَمَّا الْعَقْلِيَّاتُ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُجَجَ الْعَقْلِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى فَسَادِ مَا يَقُولُهُ النَّصَارَى، أَظْهَرُ مِمَّا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ دِينِهِمْ وَمَنِ احْتَجَّ مِنْهُمْ أَوْ مِنَ الْيَهُودِ بِحُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ عَلَى مُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ فَلَهَا أَجْوِبَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا بِذَلِكَ أَوْ بِأَعْظَمَ مِنْهُ..