فَالْخَرَابُ الْأَوَّلُ لَمَّا جَاءَ " بُخَتُنَصَّرُ " وَسَبَاهُمْ إِلَى بَابِلَ وَبَقِيَ خَرَابًا سَبْعِينَ سَنَةً، وَالْخَرَابُ الثَّانِي بَعْدَ الْمَسِيحِ بِنَحْوِ سَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ قِيلَ: هَذَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة: 78] .
فَبَعْدَ الْخَرَابِ الثَّانِي تَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُلْكٌ. وَبَيْنَ الْخَرَابَيْنِ كَانُوا تَحْتَ قَهْرِ الْمُلُوكِ الْكُفَّارِ، وَبُعِثَ الْمَسِيحُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُمْ كَذَلِكَ.
وَيُقَالُ لِلنَّصَارَى: أَنْتُمْ مَا زِلْتُمْ مَقْهُورِينَ مَغْلُوبِينَ مُبَدَّدِينَ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى ظَهَرَ قُسْطَنْطِينُ وَأَقَامَ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ. لَكِنْ أَظْهَرَ دِينًا مُبَدَّلًا مُغَيَّرًا لَيْسَ هُوَ دِينَ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَعَ هَذَا فَكَانَتْ أَرْضُ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ كُفَّارًا - الْمَجُوسُ وَغَيْرُهُمْ - مَجُوسًا وَمُشْرِكِينَ. وَكَانُوا فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ يَقْهَرُونَ النَّصَارَى عَلَى بِلَادِهِمْ، وَأَمَّا أَرْضُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَفِيهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُشْرِكِينَ أُمَمٌ، وَكَانَ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ ظَاهِرًا فِي أَرْضِ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ