قُلُوبِكُمْ مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ وَالتَّعْظِيمِ مَا أَنْتُمْ بِهِ مِنْ أَضْعَفِ الْأُمَمِ حُجَّةً وَأَضْيَقِهَا مَحَجَّةً، وَأَبْعَدِهَا عَنِ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ، وَأَعْجَزِهَا عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ؛ تَارَةً تَخَافُونَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُعَطِّلِينَ، فَإِمَّا أَنْ تُوَافِقُوهُمْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ تَخْضَعُوا لَهُمْ مُتَوَاضِعِينَ، وَتَارَةً تَخَافُونَ مِنْ سُيُوفِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوا بَعْضَ دِينِكُمْ لِأَجْلِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ تَذِلُّوا لَهُمْ خَاضِعِينَ.
فَفِيكُمْ مِنْ ضَعْفِ سُلْطَانِ الْحُجَّةِ، وَضَعْفِ سُلْطَانِ النُّصْرَةِ مَا يَظْهَرُ بِهِ حَاجَتُكُمْ إِلَى قِيَامِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ فَالْعَجَبُ مِنْكُمْ كَيْفَ تَعْدِلُونَ عَمَّا فِيهِ سَعَادَتُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى مَا فِيهِ شَقَاؤُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. هَذَا هُوَ الْعَجَبُ لَيْسَ الْعَجَبُ مِمَّنْ آمَنَ بِمَا فِيهِ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِي خِلَافِهِ شَقَاوَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ فِيهِ طَائِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ظَاهِرَةٌ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالْيَدِ وَالسِّنَانِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» " وَفِي لَفْظٍ " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةً حَتْي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ» ".