وَكَانَ الْكَلَامُ قَرِيبًا مِنْ (بَدْرٍ) وَالْبَحْرُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ وَ (بِرْكُ الْغِمَادِ) مَكَانٌ مِنْ يَمَانِيِّ مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ عِدَّةُ لَيَالٍ، وَالْكُفَّارُ كَانُوا - إِذْ ذَاكَ - بِمَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ شَامِيِّ مَكَّةَ، فَمَكَّةُ جَنُوبُهُمْ وَالْبَحْرُ غَرْبُهُمْ. تَقُولُ: لَوْ طَلَبْتَ أَنْ نَدْخُلَ بَلَدَ الْعَدُوِّ وَنَذْهَبَ إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ لَفَعَلْنَاهُ. قَالُوا: فَلَمَّا نَصَرَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَظْهَرَهُمْ، ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَجَبَّرُوا، وَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَصَارُوا شَبَهًا بِآلِ فِرْعَوْنَ، فَبَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاللِّينِ وَالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْمُسِيءِ وَاحْتِمَالِ أَذَاهُ؛ لِيُلَيِّنَ أَخْلَاقَهُمْ وَيُزِيلَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَسْوَةِ.

فَأَفْرَطَ هَؤُلَاءِ فِي اللِّينِ حَتَّى تَرَكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَتَرَكُوا الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدْلِ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَتَرَهَّبَ عُبَّادُهُمْ مُنْفَرِدِينَ، مَعَ أَنَّ فِي مُلُوكِ النَّصَارَى مِنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَسْوَةِ وَالْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِمَّا يَأْمُرُهُمْ بِهِ عُلَمَاؤُهُمْ وَعُبَّادُهُمْ وَمِمَّا لَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِهِ مَا شَارَكُوا فِيهِ الْيَهُودَ.

فَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الْعَادِلَةِ، وَجَعَلَ أُمَّتَهُ عَدْلًا خِيَارًا لَا يَنْحَرِفُونَ إِلَى هَذَا الطَّرَفِ وَلَا إِلَى هَذَا الطَّرَفِ، بَلْ يَشْتَدُّونَ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَيَلِينُونَ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَيَسْتَعْمِلُونَ الْعَفْوَ وَالصَّفْحَ فِيمَا كَانَ لِنُفُوسِهِمْ، وَيَسْتَعْمِلُونَ الِانْتِصَارَ وَالْعُقُوبَةَ فِيمَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015