" الْأَقَانِيمِ " وَلَا لَفْظُ " التَّثْلِيثِ " وَلَا " اللَّاهُوتُ " وَ " النَّاسُوتُ " وَلَا تَسْمِيَةُ اللَّهِ جَوْهَرًا، بَلْ هَذَا كُلُّهُ مِمَّا ابْتَدَعُوهُ، كَمَا ابْتَدَعُوا أَيْضًا تَسْمِيَةَ صِفَاتِ اللَّهِ ابْنًا وَرُوحَ الْقُدُسِ، فَهُمُ ابْتَدَعُوا أَلْفَاظًا لَمْ يَنْطِقْ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، أَثْبَتُوا لَهَا مَعَانِيَ وَابْتَدَعُوا اسْتِعْمَالَ أَلْفَاظِ الْأَنْبِيَاءِ فِي غَيْرِ مُرَادِهِمْ، وَحَمَلُوا مُرَادَهُمْ عَلَيْهَا.
وَالْأَلْفَاظُ الْمُتَشَابِهَةُ الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ مَوْجُودَةٌ - عِنْدَهُمْ - فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَسِيحِ.
فَلَيْسَ لِلْمَسِيحِ خَاصَّةٌ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ اللَّهُ أَوِ ابْنُ اللَّهِ، وَتِلْكَ الْأَلْفَاظُ قَدْ عُرِفَ - بِاتِّفَاقِهِمْ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ -، أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حُلُولُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَعْرِفَتُهُ وَهُدَاهُ وَنُورُهُ وَمِثَالُهُ الْعِلْمِيُّ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمَنْ قَالَ مِنْ ضُلَّالِ الْمُسْلِمِينَ: (إِنَّ الرَّبَّ يَتَّحِدُ أَوْ يَحُلُّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَإِنَّ هَذَا مِنَ السِّرِّ الَّذِي لَا يُبَاحُ بِهِ، فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْمَشَايِخِ وَالْمُدَّعِينَ لِلْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ، فَيَجْعَلُونَ تَوْحِيدَ الْعَارِفِينَ أَنْ يَصِيرَ الْمُوَحِّدُ هُوَ الْمُوَحَّدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي قَلْبِ الْعَارِفِ وَيَتَكَلَّمُ بِلِسَانِهِ، كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ، وَيَقُولُ الْأَوَّلُ:
مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحِدٍ ... إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ