جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ النَّصَارَى وَغَيْرُهُمْ يَعْجِزُونَ عَنِ الرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ، إِذْ كَانَ مَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِي تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ خَصَائِصِ الْأَجْسَامِ طُرُقًا ضَعِيفَةً لَا تَثْبُتُ عَلَى الْمِعْيَارِ الْعَقْلِيِّ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
بِخِلَافِ مَنْ كَانَ نِزَاعُهُ لَفْظِيًّا، فَهَذَا يُذَمُّ إِمَّا لُغَةً وَإِمَّا لُغَةً وَشَرْعًا ; لِكَوْنِهِ أَطْلَقَ لَفْظًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّرْعُ، أَوِ اسْتَعْمَلَهُ فِي خِلَافِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، كَمَا قَدْ يُذَمُّ النَّافِي لِمِثْلِ ذَلِكَ لُغَةً وَشَرْعًا، إِذَا كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ النُّفَاةِ أَوِ الْمُثْبِتَةِ نَفَى حَقًّا أَوْ أَثْبَتَ بَاطِلًا، فَهَذَا مَذْمُومٌ ذَمًّا مَعْنَوِيًّا شَرْعًا وَعَقْلًا.
وَأَمَّا الشَّرْعُ، فَالرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ الَّذِينَ مِنْ أُمَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، وَلَا إِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَلَا إِنَّهُ جَوْهَرٌ، وَلَا إِنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ.
لَكِنَّ النِّزَاعَ اللُّغَوِيَّ وَالْعَقْلِيَّ وَالشَّرْعِيَّ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، هُوَ مِمَّا أُحْدِثَ فِي الْمِلَلِ الثَّلَاثِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.
وَالَّذِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ، مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالتَّوْرَاةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَلَا تُمَثَّلُ صِفَاتُهُ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، مَعَ إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الصِّفَاتِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي صِفَاتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَيَخْرُجُ مِنْهَا مَا هُوَ دَاخِلٌ فِيهَا.