وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا -
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: قَوْلُهُ: (فَاحْتَجَبَتِ الْكَلِمَةُ الْخَالِقَةُ بِإِنْسَانٍ مَخْلُوقٍ خَلَقَتْهُ لِنَفْسِهَا) ، وَقَوْلُهُ: (فَكَانَتْ مَسْكَنًا فِي حُلُولِهِ وَاحْتِجَابِهِ لِلُطْفِهَا عَنْ جَمِيعِ مَا لَطُفَ مِنَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ) .
يُقَالُ لَهُمْ - أَوَّلًا -: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رُوحَ الْإِنْسَانِ أَلْطَفُ مِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهَا أَلْطَفُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} [النبأ: 38] وَأَنَّهَا أَلْطَفُ مِنَ الرُّوحِ الَّتِي نَفَخَ فِي آدَمَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ أَلْطَفَ، فَأَنْتَ لَا تَقُولُ: إِنَّ الِاحْتِجَابَ وَالِاتِّحَادَ كَانَ بِرُوحِ الْإِنْسَانِ مُجَرَّدَةً، بَلْ بِالْجَسَدِ النَّاسُوتِيِّ الدَّمَوِيِّ الْغَلِيظِ، وَتَقُولُ: (إِنَّ الْخَالِقَ الْتَحَمَ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ) فَتَجْعَلُ الْخَالِقَ قَدِ الْتَحَمَ مِنْ لَحْمِ مَرْيَمَ، وَمِنْ رَحِمَهَا الَّذِي هُوَ لَحْمٌ وَدَمٌ