فَنَزَّهُوهُ عَنْ هَذَا وَهَذَا، وَهَؤُلَاءِ الْجِنُّ الْمُؤْمِنُونَ أَكْمَلُ عَقْلًا وَدِينًا مِنْ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى.
وَقَالَ تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101]
فَقَوْلُهُ: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) ، تَقْدِيرُهُ مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ؟ فَـ (أَنَّى) فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى: مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ.
فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ مَعَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ، وَأَنَّ هَذَا الِامْتِنَاعَ مُسْتَقِرٌّ فِي صَرِيحِ الْمَعْقُولِ.
ثُمَّ إِذَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي هِيَ الْخَالِقُ الْمَخْلُوقُ بِهِ قَدْ حَلَّتْ فِي جَوْفِ مَرْيَمَ وَالْتَحَمَتْ مِنْ مَرْيَمَ، وَخَلَقَتْ مِنْهَا إِنْسَانًا هُوَ الْمَسِيحُ خَلَقَتْهُ لِنَفْسِهَا وَاحْتَجَبَتْ بِهِ وَاتَّحَدَتْ بِهِ، فَهَلْ كَانَ خَلْقُهَا لِهَذَا الْإِنْسَانِ قَبْلَ الِاتِّحَادِ وَالِاحْتِجَابِ، أَمْ حِينَ ذَلِكَ؟
فَإِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ، مُحَالٌ أَنَّهَا بَعْدَ الِاحْتِجَابِ بِهِ وَالِاتِّحَادِ خَلَقَتْهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَلَقَتْهُ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ.
فَإِنْ كَانَ مَعَهُ، لَزِمَ كَوْنُ الْمَخْلُوقِ مُتَّحِدًا بِالْخَالِقِ دَائِمًا، لَمْ تَمُرَّ