فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَكِيمًا، بَلْ هُوَ مِنَ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93] .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَا يُنَاقِضُ شَيْئًا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْكِتَابِ تَنَاقُضٌ يَحْتَجُّونَ بِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُم: وَأَعْظَمُ حُجَّتِنَا مَا وَجَدْنَاهُ فِيهِ مِنَ الشَّهَادَةِ لَنَا بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَنَا فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَيُقَالُ: بَلْ مَا ذَكَرُوهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُم، فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ الْمَسِيحَ أَنَّهُ جَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَخَبَرُ اللَّهِ حَقٌّ، وَوَعْدُ اللَّهِ صِدْقٌ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَلَمَّا اتَّبَعَ الْمَسِيحَ مَنْ آمَنَ بِهِ جَعَلَهُمُ اللَّهُ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِم.
ثُمَّ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ الْمَسِيحَ، وَسَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُصَدِّقًا لِمَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ، وَكَانَ الْمَسِيحُ مُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ اسْمُهُ (أَحْمَدُ) صَارَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتْبَعَ لِلْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ النَّصَارَى الَّذِينَ غَيَّرُوا شَرِيعَتَهُ، وَكَذَّبُوهُ فِيمَا بَشَّرَ بِهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ النَّصَارَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.