ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِمَّا يَنْقُلُونَهُ عَنِ اللَّهِ لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الَّذِي نَقَلُوهُ عَنِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ رَسُولِ الْوَاحِدِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَرْسَلَهُ، ثُمَّ إِنَّ الرَّسُولَ صَدَقَ فِي بَعْضِ مَا بَلَّغَهُ عَنْ مُرْسِلِهِ، وَكَذَبَ فِي الْبَعْضِ.
وَيَجُوزُ عَلَى الْآدَمِيِّ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَكْذِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ، أَوْ عَدَمِ حِكْمَتِهِ فِي إِرْسَالِهِ.
وَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ نَبِيًّا يَكْذِبُ عَلَيْهِ لَا عَمْدًا، وَلَا خَطَأً، وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ وَالْمُخْبِرُ الَّذِي قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ تَارَةً يَصْدُقُ وَتَارَةً يَكْذِبُ - يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِبَعْضِ أَخْبَارِهِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا صِدْقُهُ لِدَلَالَاتٍ تَقْتَرِنُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَذَبَ كِذْبَةً وَاحِدَةً امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَرْسَلَهُ، فَصَارَ جَمِيعُ مَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ هُوَ كَاذِبٌ فِي أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ بِهِ، فَكَذِبُهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُوجِبُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي جَمِيعِ مَا بَلَّغَهُ عَنِ اللَّهِ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا حَكَاهُ وَرَوَاهُ عَنِ اللَّهِ قَدْ كَذَبَ فِيهِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ، لَكِنَّ تَبْلِيغَهُ عَنِ اللَّهِ وَنَقْلَهُ وَرِوَايَتَهُ وَحِكَايَتَهُ عَنِ اللَّهِ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ.