إلا أنه يرد على هذا الرأي أن الجناية على النفس غير الجناية على الأموال بدليل أن الشرع خصها بأحكام معينة مغايرة في جملتها وتفصيلها ما أوجبه في الجناية على الأموال، ففي الثانية يجب مثلها، فإن لم يوجد فقيمتها، عمدا كانت الجناية أو خطأ أو شبه عمد "إذا صح هذا التقسيم في الأموال".
أما في النفس، فقد اختلف الحكم في العمد عنه في شبه العمد عنه في الخطأ، وفي الأخير أوجب كفارة، وأوجب دية محددة لا تتفاوت، بل أوجب حرمانا من الميراث كما يرى بعض الفقهاء؛ لذلك كان قياس جناية المجنون أو الصبي غير المميز على الجناية على الأموال قياس مع الفارق، فضلا عن أن هذا سيؤدي إلى استئصال كل أمواله نظرا لجسامة مقدار الدية، ويصبح عالة على الغير، وهو في حالة تحتاج إلى الإنفاق عليه؛ لذلك كان إيجاب الدية على العاقلة رعاية له، ورعاية لأسرة المجني عليه، وتحقيقا للتكافل الاجتماعي والترابط والتعاون على البر والتقوى.
جناية المعتوه:
العته هو "آفة توجب خللا في العقل، فيصير صاحبه مختلط الكلام، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء، وبعضه كلام المجانين، وكذا سائر أموره".
ولما كان المعتوه بهذه المثابة من التردد بين العقل والجنون في أقواله وأفعاله جعل الفقهاء حكمه كحكم الصبي المميز -وهي المرحلة التي تبدأ من السابعة وتنتهي بالبلوغ عاقلا- وقد سبق أن بينا حكمه فيها1.