جنونه غير مطبق فأفاق في بعض الأوقات وعاد عقله إليه فإن أهلية الأداء تعود إليه خلال هذه الفترة وتصح تصرفاته؛ لأن مناط هذه الأهلية هو العقل، وقد عاد إليه فتعود إليه أهلية الأداء، والحكم بعودة عقله إليه ينبي على ما يصدر عن أهل الخبرة من الأطباء الذين يقررون ذلك، ومن ثم يمكن أن يحاسب على تصرفاته.
والمجنون في كل حالاته له أهلية وجوب؛ لأن هذه الأهلية تناط بالذمة، والإنسان بحكم إنسانيته له ذمة، فتثبت له، ومقتضى هذه الأهلية اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات، أما تصرفاته من قول أو فعل فهي تدخل في دائرة أهلية الأداء التي بيناها آنفا.
تصرفات المجنون: يعتبر الفقه الإسلامي المجنون كالصبي غير المميز -أي: ما دون السابعة- فلا اعتداد بما يصدر عنه من أقوال، سواء كانت نافعة نفعا محضا كقبول الهبة، أو ضارة ضررا محضا كهبته للغير، أو مترددة بين النفع والضرر كالبيوع وما شاكلها.
وأما أفعاله: فإن كانت نافعة ولم يشترط الشرع فيها توافر الإرادة والاختيار صحت واستتبعت أحكامها، كما لو وضع يده على شيء مباح؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلى مباح فهو له"، أما ما لم يكن بهذه الصفة كقبضه الأموال الخاصة به من المدين، فإنها لا تصح، فإن هلكت هلكت على المدين، وأما إن كانت ضارة كالاعتداء على الأشخاص قتلا أو جرحا، وهذا هو موضوعنا هنا، فإن الفقهاء قد اختلفوا في جنايته كما اختلفوا في جناية الصبي غير المميز.
فيرى الظاهرية أن جنايته هدر؛ وذلك للحديث: "رفع القلم"، فلا يتبع هذه الجناية إثم لعدم العقل، ولا ضمان لانعدام التمييز والقصد والاختيار؛ إذ إنه كالعجماء "والعجماء جبار" بنص الحديث، أي جنايتها هدر1.