وإذا ثبتت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم الآيات التي استدلوا بها، وخاصة وأن الاعتداء بالمثل ليس واردا في كل الأمور، ففي بعضها يقع الجزاء بغير جنس الفعل كالقذف فإن جزاءه الجلد، لا القذف مثل ما قذف به، وكذا لو شتمه بما دون القذف كان عليه التعزير، وأيضا فإنه يمكن أن تفسر مثلية الجزاء في الآيات بالمثلية في نوع العقوبة، لا في استيفائها، فإن كان الاعتداء قتلا كان الجزاء قتلا، وإن كان شجا كان الجزاء شجا. وأما كيفية تنفيذ العقوبة فيستفاد من أدلة أخرى.

ومن هذا يتضح لنا رجحان هذا الرأي، وبخاصة أننا إذا نظرنا إلى ما قاله أصحاب الرأي الأول وجدنا أنهم لم يستطيعوا القول بذلك في كل أنواع الجنايات؛ إذ اضطروا إلى إخراج بعضها من عموم ما استدلوا به دون دليل يقضي بهذا التخصيص ... ولكن أدلة الرأي الثاني كانت واضحة، ومتفقة مع ما تحرص عليه الشريعة الإسلامية من الإبقاء على المعاني الإنسانية في تنفيذ أي عقوبة من العقوبات.

وهنا في دائرة القتل علينا أن نتساءل: ما المقصود باستيفاء القصاص؟

المقصود بالقصاص أمران:

أولهما: وهو أهمهما هو إزهاق روح الجاني كما أزهق روح المجني عليه، وإزهاق الروح يتحقق بأي وسيلة من وسائل الإزهاق، وتتساوى في هذا المعنى كل الوسائل، إلا أن الوسيلة السريعة أقرب إلى روح الشريعة، التي تدعو إلى الإحسان حتى مع الحيوان.

وثانيهما: إذاقة الجاني الألم الذي أذاقه للمجني عليه، والشعر بالألم والإحساس به أمر متفاوت، فهو يختلف من شخص إلى شخص، فالاعتداد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015