والعبد بالعبد مقابل الجنس بالجنس، ومن ضرورة المقابلة ألا يقتل الجنس بغير جنسه.
ولأنه تعالى قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} والقصاص هو المساواة، وقوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} تفسير للمساواة، ولا مساواة في قتل الحر بالعبد؛ لأن الحر مالك والعبد مملوك، والمالكية أمارة القدرة، والمملوكية أمارة العجز، قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ... } الآية1، فلا مساواة بينهما، ولأن لحرية حياة والرق موت حكما بدليل أنه إذا أعتقه مولاه نسب إليه بالولاء.
وأما قوله تعالى في سورة المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 2 فمطلق، وهذه الآية مقيدة ومبينة، والمطلق يحمل على المقيد، كما أنه آية البقرة صريحة لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وآية المائدة سيقت في أهل الكتاب وشريعتهم، وإن كانت شريعة من قبلنا شريعة لنا؛ لكنه وقع في شريعتنا التفسير بالزيادة والنقصان كثيرا، فيقرب أن هذا التقييد من ذلك وفيه مناسبة؛ إذ فيه تخفيف ورحمة، وشريعة هذه الأمة أخف من شرائع من قبلها، فإنه وضع عنهم الآصار التي كانت على من قبلهم3.
والقول بأن آية المائدة نسخت آية البقرة لتأخرها مردود بأنه لا تنافي بين الآيتين؛ إذ لا تعارض بين عام وخاص، ومطلق ومقيد حتى يصار إلى النسخ، ولأن آية المائدة متقدمة حكما، فإنها حكاية لما حكم الله تعالى به في التوارة، وهي متقدمة نزولا على القرآن.