سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} ، وَقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} ، وَقَوْلِهِ: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَلَا يُبْصِرُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْأَكِنَّةَ الْمَانِعَةَ مِنَ الْفَهْمِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَالْوَقْرَ الَّذِي هُوَ الثِّقَلُ الْمَانِعُ مِنَ السَّمْعِ فِي آذَانِهِمْ فَهُمْ مَجْبُورُونَ، فَمَا وَجْهُ تَعْذِيبِهِمْ عَلَى
شَيْءٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْعُدُول عَنهُ والانصراف إِلَى غَيره؟ ا
فَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا بَيَّنَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: أَنَّ تِلْكَ الْمَوَانِعَ الَّتِي يَجْعَلُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ، كَالْخَتْمِ وَالطَّبْعِ وَالْغِشَاوَةِ وَالْأَكِنَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ إِنَّمَا جَعَلَهَا عَلَيْهِمْ جَزَاءً وِفَاقًا لِمَا بَادَرُوا إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَتَكْذِيبِ الرُّسُلِ بِاخْتِيَارِهِمْ، فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِالطَّبْعِ وَالْأَكِنَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ، فَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} أَيْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وَهُوَ نَصٌّ قُرْآنِيٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُفْرَهُمُ السَّابِقَ هُوَ سَبَبُ الطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وَهُوَ دَلِيلٌ أَيْضًا وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ إِزَاغَةِ اللَّهِ قُلُوبَهُمْ هُوَ زَيْغُهُمُ السَّابِقُ، وَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} ، وَقَوْلِهِ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الطَّبْعَ عَلَى الْقُلُوبِ وَمَنْعَهَا مِنْ فَهْمِ مَا