عَدْلٌ وَإِنْصَافٌ.
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِرَارًا مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ إِذَا عُبِّرَ عَنْهُ بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ جَازَ عَطْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ تَنْزِيلًا لِلتَّغَايُرِ بَيْنَ الصِّفَاتِ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ فِي الذَّوَاتِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاّعْلَى الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِى أَخْرَجَ الْمَرْعَى} فَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ وَالصِّفَاتُ مُخْتَلِفَةٌ، وَقَدْ سَاغَ الْعَطْفُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِلَى الْمَلِكِ القرم وَابْن الهما ... م وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحِمِ
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي:
فَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ، مِنَ الْمُغَايَرَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ.
وَإِيضَاحُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ.
وَأَمَّا الْمِيزَانُ: فَيَصْدُقُ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ الَّذِي لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِيهَا.
فَالتَّأْفِيفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} ، مِنَ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْكِتَابِ، وَمَنْعُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ مَثَلًا الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَلَى التَّأْفِيفِ مِنَ الْمِيزَانِ، أَيْ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مَعَ رُسُلِهِ.
وَقَبُولُ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ فِي الرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ الْمَنْصُوصُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مِّنكُمْ} مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ مُصَرح بِهِ فِيهِ.
وَقَبُولُ شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمِيزَانِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مَعَ رُسُلِهِ.