شَدِيد ...
وَمَا بَيَّنَهُ هُنَا مِنْ شَدَّةِ أَهْوَالِ السَّاعَةِ، وَعِظَمِ زَلْزَلَتِهَا، بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} وَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} وَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عِظَمِ هَوْلِ السَّاعَة ...
وَالزَّلْزَلَةُ: شِدَّةُ التَّحْرِيكِ وَالْإِزْعَاجِ، وَمُضَاعَفَةُ زَلِيلِ الشَّيْءِ عَنْ مَقَرِّهِ وَمَرْكَزِهِ: أَيْ تَكْرِيرُ انْحِرَافِهِ وَتَزَحْزُحِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ، لِأَنَّ الْأَرْضَ إِذَا حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً تَزَلْزَلَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا زَلْزَلَةً قَوِيَّةً.
وَقَوله {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} مَنْصُوب بتذهل، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الزَّلْزَلَةِ، وَالرُّؤْيَةُ: بَصَرِيَّةٌ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ زَلْزَلَةَ الْأَشْيَاءِ بِأَبْصَارِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقيل: إِنَّهَا من رَأْي العلمية.
وَقَوله {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} أَي بِسَبَب تِلْكَ الزلزلة، والذهول: الذّهاب عَن الْأَمر مَعَ دهشة، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ الله عَنهُ:
ضربا يزِيل الْهَام عَن مقِيله ... وَيذْهل الخليلَ عَن خَلِيله
وَقَالَ قطرب: ذهل عَن الْأَمر: اشْتغل عَنهُ. وَقيل: ذهل عَن الْأَمر: غفل عَنهُ لطرو شاغل، من هم أَو مرض، أَو نَحْو ذَلِك، وَالْمعْنَى وَاحِد، وَبَقِيَّة الْأَقْوَال رَاجِعَة إِلَى مَا ذكرنَا.
وَقَوله {كُلُّ مُرْضِعَةٍ} أَيْ كُلُّ أُنْثَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا، وَوَجْهُ قَوْلِهِ: مُرْضِعَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ: مُرْضِعٍ: هُوَ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ، مِنْ أَنَّ الْأَوْصَافَ