الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَوَفِّي مَوْتٍ، فَالصِّيغَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِعْلًا.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ بِتَقْدِيمِ الْعُرْفِيَّةِ، مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُوجَدُ دَلِيلٌ صَارِفٌ، عَنْ إِرَادَةِ الْعُرْفِيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ وَجَبَ تَقْدِيمُ اللُّغَوِيَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَلَى إِرَادَةِ اللُّغَوِيَّةِ هَنَا دُونَ الْعُرْفِيَّةِ.
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ اللُّغَوِيَّةِ عَلَى الْعُرْفِيَّةِ، مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا لَمْ تُتَنَاسَ اللُّغَوِيَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنْ أُمِيتَتِ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى الْعُرْفِيَّةِ إِجْمَاعًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:
أَجَمْعٌ إِنْ حَقِيقَةٌ تُمَاتُ ... عَلَى التَّقَدُّمِ لَهُ الْإِثْبَاتُ
فَمَنْ حَلِفَ لَيَأْكُلَنَّ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ، فَمُقْتَضَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، أَنَّهُ لَا يَبَرُّ يَمِينَهُ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ نَفْسِ النَّخْلَةِ لَا مِنْ ثَمَرَتِهَا.
وَمُقْتَضَى الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَتِهَا لَا مِنْ نَفْسِ جِذْعِهَا. وَالْمَصِيرُ إِلَى الْعُرْفِيَّةِ هُنَا وَاجِبٌ إِجْمَاعًا، لِأَنَّ اللُّغَوِيَّةَ فِي مِثْلِ هَذَا أُمِيتَتْ بِالْكُلِّيَّةِ. فَلَا يَقْصِدُ عَاقِلٌ الْبَتَّةَ الْأَكْلَ مِنْ جِذْعِ النَّخْلَةِ.
أَمَّا الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحَقِيقَةِ الْمُمَاتَةِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعُرْفِيَّةَ تُسَمَّى حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَمَجَازًا لُغَوِيًّا، وَأَنَّ اللُّغَوِيَّةَ تُسَمَّى عِنْدَهُمْ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً، وَمَجَازًا عُرْفِيًّا. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّا أَوْضَحْنَا أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ لَا مَجَازَ فِيهِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ