حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا} ، وَعَزَى ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ لِلْأَكْثَرِينَ، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مُتَوَفِّيَكَ، اسْمُ فَاعِلٍ تَوَفَّاهُ، إِذَا قَبَضَهُ وَحَازَهُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَوَفَّى فُلَانٌ دَيْنَهُ إِذَا قَبَضَهُ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى مُتَوَفِّيكَ عَلَى هَذَا، قَابِضَكَ مِنْهُمْ إِلَيَّ حَيًّا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَأَمَّا الْجَمْعُ بِأَنَّهُ تَوَفَّاهُ سَاعَاتٍ أَوْ أَيَّامًا، ثُمَّ أَحْيَاهُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ، إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. اهـ. مِنْ دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ دَلَالَةَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُتَوَفِّيكَ} عَلَى مَوْتِ عِيسَى فِعْلًا، مَنْفِيَّةٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةً، مِنْ غَيْرِ تَنْظِيمٍ، أَوَّلُهَا أَنَّ {مُتَوَفّيكَ} حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي أَخْذِهِ بِرُوحِهِ وَجِسْمِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ {مُتَوَفّيكَ} وَصْفٌ مُحْتَمِلٌ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالْمَاضِي، وَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّوَفِّيَ قَدْ وَقَعَ وَمَضَى، بَلِ السُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَالْقُرْآنُ دَالَّانِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، كَمَا أَوْضَحْنَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَوَفِّيَ نَوْمٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ النُّوَّمَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْوَفَاةُ، فَكُلٌّ مِنَ النَّوْمِ وَالْمَوْتِ، يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّوَفِّي، وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ.
فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا فِي الْكَلَامِ الَّذِي نَقَلْنَا مِنْ كِتَابِنَا دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ.
وَذَكَرْنَا الْأَوَّلَ مِنْهَا بِانْفِرَادِهِ لِنُبَيِّنَ مَذَاهِبَ الْأُصُولِيِّينَ فِيهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى} ، فَدَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ عِيسَى مَاتَ، مَنْفِيَّةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّ عِيسَى يَقُولُ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة، وَلَا شكّ أَن يَمُوت قبل