وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَعْطَيْنَاهُ الْفَهْمَ بِكِتَابِ اللَّهِ فِي حَال صباه قبل بُلُوغه أَسْنَان للرِّجَال. وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ (?) وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ أَحَدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الصِّبْيَانَ قَالُوا لِيَحْيَى: اذْهَبْ بِنَا نَلْعَبُ. فَقَالَ: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ} أَيِ الْحِكْمَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ:
وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ ... إِلَى حَمَامٍ سِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَالْحُكْمُ النُّبُوَّةُ، أَوْ حُكْمُ الْكِتَابِ، أَوِ الْحِكْمَةُ، أَوِ الْعِلْمُ
بِالْأَحْكَامِ. أَوِ اللُّبُّ وَهُوَ الْعَقْلُ، أَوْ آدَابُ الْخِدْمَةِ، أَوِ الْفِرَاسَةُ الصَّادِقَةُ، أَقْوَالٌ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي هُوَ أَنَّ الْحُكْمَ يُعْلَمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَذَلِكَ بِفَهْمِ الْكِتَابِ السَّمَاوِيِّ فَهْمًا صَحِيحًا، وَالْعَمَلِ بِهِ حَقًّا، فَإِنَّ هَذَا يَشْمَلُ جَمِيعَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. وَأَصْلُ مَعْنَى «الْحِكَمِ» الْمَنْعُ، وَالْعِلْمُ النَّافِعُ، وَالْعَمَلُ بِهِ يَمْنَعُ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ مِنَ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ وَالنُّقْصَانِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {صَبِيّاً} أَيْ لَمْ يَبْلُغْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقِيلَ: صَبِيًّا أَيْ شَابًّا لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ الْكُهُولَةِ ذَكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. قِيلَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ ابْنُ سَبْعٍ، وَقِيلَ ابْنُ سَنَتَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {وَحَنَانًا} مَعْطُوفٌ عَلَى {الْحُكْمُ} أَيْ