أَنْبِيَاءِ اللَّه» ، رَوَاهَا الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ، أَيْ: لَا تَقُولُوا فُلَانٌ خَيْرٌ مِنْ فُلَانٍ، وَلَا فُلَانٌ أَفْضَلُ مِنْ فُلَانٍ، اهـ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ مَا نَصُّهُ: وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ بِالتَّفْضِيلِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا قَالَهُ مِنْ بَابِ الْهَضْمِ وَالتَّوَاضُعِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنِ التَّفْضِيلِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ الَّتِي تَحَاكَمُوا فِيهَا عِنْدَ التَّخَاصُمِ وَالتَّشَاجُرِ.
الرَّابِعُ: لَا تُفَضِّلُوا بِمُجَرَّدِ الْآرَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ.
الْخَامِسُ: لَيْسَ مَقَامُ التَّفْضِيلِ إِلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَيْكُمُ الِانْقِيَادُ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» أَجْوِبَةً كَثِيرَةً عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَاخْتَارَ أَنَّ مَنْعَ التَّفْضِيلِ فِي خُصُوصِ النُّبُوَّةِ، وَجَوَازَهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ زِيَادَةِ الْأَحْوَالِ وَالْخُصُوصِ وَالْكَرَامَاتِ فَقَدْ قَالَ مَا نَصُّهُ: قُلْتُ: وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّفْضِيلِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ النُّبُوَّةِ هُوَ الَّتِي هِيَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَفَاضُلَ فِيهَا، وَإِنَّمَا التَّفْضِيلُ فِي زِيَادَةِ الْأَحْوَالِ وَالْخُصُوصِ وَالْكَرَامَاتِ وَالْأَلْطَافِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْمُتَبَايِنَاتِ.
وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فِي نَفْسِهَا فَلَا تَتَفَاضَلُ، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِأُمُورٍ أُخر زَائِدَةٍ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ مِنْهُمْ رُسُلٌ وَأُولُو عَزْمٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ اتُّخِذَ خَلِيلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً} ، قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْآيِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ، وَالْقَوْلُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، إِنَّمَا هُوَ بِمَا مَنَحَ مِنَ الْفَضَائِلِ وَأَعْطَى مِنَ الْوَسَائِلِ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى هَذَا فَقَالَ: