قَوْلِ الْحَسَنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأولئك هُمُ الْكَافِرُونَ} وَ {الظَّالِمُونَ} وَ {الْفَاسِقُونَ} نَزَلَتْ كُلُّهَا فِي الْكُفَّارِ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ (?) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَعَلَى هَذَا الْمُعْظَمِ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَكْفُرُ وَإِنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً، وَقِيلَ فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} رَدًّا لِلْقُرْآنِ وَجَحْدًا لِقَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَافِرٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ.
فَالْآيَةُ عَامَّةٌ عَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنُ: هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالْكُفَّارِ، أَيْ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ وَمُسْتَحِلًّا لَهُ.
فَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُعْتَقِدٌ أَنَّهُ مُرْتَكِبُ محرمٍ فَهُوَ مِنْ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} فَقَدْ فَعَلَ فِعْلًا يُضَاهِي أَفْعَالَ الْكُفَّارِ.
وَقِيلَ: أَيْ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ فَهُوَ كَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ حَكَمَ بِالتَّوْحِيدِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِبَعْضِ الشَّرَائِعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إِلَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: هِيَ فِي الْيَهُودِ خَاصَّةً، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ قَالَ: وَيدل على ذَلِك ثَلَاثَة أَشْيَاء. مِنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ ذَكَرُوا قَبْلَ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ هَادُواْ} فَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْهَا أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَهُ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} ، فَهَذَا الضَّمِيرُ لِلْيَهُودِ بِإِجْمَاعٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْيَهُودَ هُمُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا