الْأَكْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلاَ تَأْكُلُواْ} وَقَوْلُهُ: {لَفِسْقٌ} أَيْ خُرُوجٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعٌ لِتَشْرِيعِ الشَّيْطَانِ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} . أَيْ بِقَوْلِهِمْ: مَا ذَبَحْتُمُوهُ حَلَالٌ وَمَا ذَبَحَهُ اللَّهُ حَرَامٌ، فَأَنْتُمْ إِذا أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ، وَأَحَلُّ تَذْكِيَةً، ثُمَّ بَيَّنَ الْفَتْوَى السَّمَاوِيَّةِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فَهِيَ فَتْوَى سَمَاوِيَّةٌ مِنَ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلَا صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ مُتَّبِعَ تَشْرِيعِ الشَّيْطَانِ الْمُخَالِفِ لِتَشْرِيعِ الرَّحْمَنِ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مَثَّلَ بِهَا بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ لِحَذْفِ اللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ الْمَحْذُوفَةِ عَدَمُ اقْتِرَانِ جُمْلَةِ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ بِالْفَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمْ يَسْبِقْهُ قَسَمٌ لَقِيلَ: فَإِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَاقرُنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَو جُعِلْ ... شَرْطًا لِأَنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَحَذْفُ الْفَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.
وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَأَنَّ ذَلِكَ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَتَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.
إِحْدَاهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .
وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} بِحَذْفِ الْفَاءِ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ مِنَ السَّبْعَةِ خِلَافُ التَّحْقِيقِ.
بَلِ الْمُسَوِّغُ لِحَذْفِ الْفَاءِ فِي آيَةِ: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} تَقْدِيرُ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ قَبْلَ الشَّرْطِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِحَذْفِ الْفَاءِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ: