حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَرَأَ {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} قَالَ اللَّهُ نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ (?) . فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْفُوًّا عَنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِنَانِ وَتَعْظِيمِ الْمِنَّةِ عَظِيمُ مُوقِعٍ. وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (?) . فَقَوْلُهُ «تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي» يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِأُمَّتِهِ، وَلَيْسَ مَفْهُومَ لَقَبٍ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ التَّجَاوُزِ عَنْ ذَلِكَ هُوَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ.

وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ أَعَلَّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَلَهُ شَوَاهِدُ ثَابِتَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَتَلَقَّوْنَهُ بِالْقَبُولِ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْمَشْهُورِ فِي الَّذِي دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ قَرَّبَهُ مَعَ أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَصَاحِبُهُ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ تَقْرِيبِ شَيْءٍ لِلصَّنَمِ وَلَوْ ذُبَابًا قَتَلُوهُ (?) . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَرَّبَهُ مُكْرَهٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَرِّبْ لَقَتَلُوهُ كَمَا قَتَلُوا صَاحِبَهُ، وَمَعَ هَذَا دَخَلَ النَّارَ فَلَمْ يَكُنْ إِكْرَاهُهُ عُذْرًا. وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} فَقَوْلُهُ: {يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ} دَلِيلٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ، وَقَوْلُهُ: {وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ بِذَلِكَ الْإِكْرَاهِ. كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015