وَهَذَا مِنَ الْإِحْسَانِ قَطْعًا، وَلِأَنَّهُمْ قَبِلُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ، وَعَامَلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِكُلِّ إِحْسَانٍ وَعَدَالَةٍ.

وَقِصَّةُ الظَّعِينَةِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ صَاحِبَةِ الْمَزَادَتَيْنِ لَمْ يُقَاتِلُوهَا أَوْ يَأْسِرُوهَا أَوْ يَسْتَبِيحُوا مَاءَهَا بَلِ اسْتَاقُوهَا بِمَائِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ مِنْ مَزَادَتَيْهَا قَلِيلًا، وَدَعَا فِيهِ وَرَدَّهُ، ثُمَّ اسْتَقَوْا وَقَالَ لَهَا: اعْلَمِي أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي سَقَانَا وَلَمْ تَنْقُصْ مِنْ مَزَادَتَيْكِ شَيْئًا، وَأَكْرَمُوهَا وَأَحْسَنُوا إِلَيْهَا وَجَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، وَأَرْسَلُوهَا فِي سَبِيلِهَا فَكَانَتْ تَذْكُرُ ذَلِكَ، وَتَدْعُو قَوْمَهَا لِلْإِسْلَامِ (?) .

وَقِصَّةُ ثُمَامَةَ لَمَّا جِيءَ بِهِ أَسِيرًا وَرُبِطَ فِي سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَبَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ عَاجِزًا عَنِ الْقِتَالِ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَكَانَ يُرَاحُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ بِحَلِيبِ سَبْعِ نِيَاقٍ حَتَّى فُكَّ أَسْرُهُ فَأَسْلَمَ طَوَاعِيَةً (?) ، وَهَكَذَا نَصَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} .

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَسِيرٍ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مِنَ الْكُفَّارِ.

وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَهِيَ سَنَةُ الْوُفُودِ، فَكَانَ يَقْدِمُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُ الْمُسْلِمِينَ، فَيَتَلَقَّوْنَ الْجَمِيعَ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ كَوَفْدِ نَجْرَانَ وَغَيْرِهِمْ وَهَاهُو ذَا وَفْدُ تَمِيمٍ جَاءَ يُفَاخِرُ وَيُفَاوِضُ فِي أُسَارَى لَهُ، فَيَأْذَنُ لَهُمْ صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيَسْتَمِعُ مُفَاخَرَتِهِمْ وَيَأْمُرُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي النِّهَايَةِ يُسْلِمُونَ وَيُجِيزُهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَوَائِزِ، وَهَذَا أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ، لِأَنَّ وَفْدًا يَأْتِي مُتَحَدِّيًا مُفَاخِرًا لَكِنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَمْ يُظَاهِرْ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015