الْمُعَامَلَةِ.
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: عَدُوٌّ لَمْ يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَلَمْ يُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ تَعَالَى فِي حَقهم {لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} {أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ} .
وَالصِّنْفُ الثَّانِي: قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُ تَعَالَى فِيهِمْ: إِنَّمَا يَنْهَاكُم الله أَنْ تَوَلَّوْهُمْ إِذًا فَهُمَا قِسْمَانِ مُخْتَلِفَانِ وَحُكْمَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَإِنْ كَانَ الْقِسْمَانِ لَمْ يَخْرُجَا عَنْ عُمُومِ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَقَدِ اعْتَبَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْآيَةَ الْأَوْلَى رُخْصَةً بَعْدَ النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ إِنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَاعْتَبَرَ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ الْأَوَّلِ، وَنَاقَشَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ دَعْوَى النَّسْخِ فِي الْأُولَى، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ وَمَنَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْآيَتَيْنِ تَقْسِيمٌ لِعُمُومِ الْعَدُوِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} ، مَعَ بَيَانِ كُلِّ قِسْمٍ وَحُكْمِهِ، كَمَا تَدُلُّ لَهُ قَرَائِنُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَقَرَائِنُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَمَّا التَّقْسِيمُ فَقِسْمَانِ: قِسْمٌ مُسَالِمٌ لَمْ يُقَاتِلِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، فَلَمْ يَنْهَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بِرِّهِمْ وَالْإِقْسَاطِ إِلَيْهِمْ، وَقِسْمٌ غَيْرُ مُسَالِمٍ يُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَيُظَاهِرُ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُوَالَاتِهِمْ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِذْنِ بِالْبَرِّ والقسط، وَبَين النَّهْيِ عَنِ الْمُوَالَاةِ وَالْمَوَدَّةِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّقْسِيمِ مَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ قَرَائِنَ، وَهِيَ عُمُومُ الْوَصْفِ بِالْكُفْرِ، وَخُصُوصُ الْوَصْفِ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَإِيَّاكُمْ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِخْرَاجَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ كَانَ نَتِيجَةً لقتالهم