بِأَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا لَا حَدًّا.
وَهَذِهِ حُجَجُ الْفَرِيقَيْنِ وَمُنَاقَشَتُهَا:
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مُطْلَقًا إِذَا عَمِلَ بِسِحْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ بِهِ أَحَدًا فاستولوا بِآثَارٍ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِحَدِيثٍ جَاءَ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ. فَمِنَ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ (الْجِهَادُ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ) : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ قَالَ: فَقَتَلْنَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَ سَوَاحِرَ وَفَرَّقْنَا بَيْنَ الْمَحَارِمِ مِنْهُمْ. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. (?) وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ «اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ» إِلَخْ فِي هَذَا الْأَثَرِ سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ، ثَابِتَةٌ فِي بَعْضِهَا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدِ وَأَبِي يَعْلَى. قَالَهُ فِي الْفَتْحِ. وَمِنَ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا، وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ (?) . قَالَ مَالِكٌ: السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مِثْلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ من نَفسه