فَأَجَابَ رَبُّ الْعَالَمِينَ دُعَاءَهُ ... وَأَحَاطَهُ بِثَلَاثَةِ الْجُدْرَانِ

حَتَّى غَدَتْ أَرْجَاؤُهُ بِدُعَائِهِ ... فِي عِزَّةٍ وَحِمَايَةٍ وَصِيَانِ

وَقَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْمَجِيدِ: وَدَلَّ الْحَدِيثُ أَنَّ قَبْرَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ عُبِدَ لَكَانَ وَثَنًا. وَلَكِنْ حَمَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ.

وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْوَثَنَ هُوَ مَا يُبَاشِرُهُ الْعَابِدُ مِنَ الْقُبُورِ وَالتَّوَابِيتِ الَّتِي عَلَيْهَا اهـ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَقِيقَةٌ دَقِيقٌ مَأْخَذُهَا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ إِدْخَالِ الْحُجْرَةِ فِي مَأْمَنٍ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَيْهِ لَكَانَ وَثَنًا وَحَاشَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ وَبَعْدَ انْتِقَالِهِ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى يَكُونُ قَبْرُهُ وَثَنًا يُنَافِي التَّوْحِيدَ، وَيَهْدِمُ مَا بَنَاهُ فِي حَيَاتِهِ.

وَكَيْفَ يَرْضَى اللَّهُ لِرَسُولِهِ ذَلِكَ حَاشَا وَكَلَّا. هَذَا مُجْمَلُ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وُجْهَةُ نَظَرٍ

وَهُنَا وُجْهَةُ نَظَرٍ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى قَوْلٍ فِيهَا، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ نَصٍّ مُتَقَدِّمٍ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، بِأَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ أَوَّلًا ثُمَّ يُتَّخَذَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدُ، كَمَا جَاءَ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا} أَيْ أَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلًا وَالْمَسْجِدَ ثَانِيًا.

أَمَّا قَضِيَّةُ الْحُجْرَةِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَهِيَ عَكْسُ ذَلِكَ، إِذِ الْمَسْجِدُ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِدْخَالُ الْحُجْرَةِ ثَانِيًا، فَلَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تِلْكَ النُّصُوصُ فِي نَظَرِي. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015