وكان لفرط الديانة مهيباً، لا يجري بين يديه إلا الجد والكلام، أما في علم أو زهد وتحريض علي التحصيل.

وكان حريصاً علي طلب العلم شغوفاً به حتى أنه كان يدعو في دعاء القنوت بقوله: اللهم لا تعقنا عن العلم بعائق ولا تمنعنا عنه بمانع.

فاستجاب الله لدعائه حتى صار إمام عصره وأوحد زمانه علماً، وكان رحمه الله يقعد للتدريس والفتوى وتعليم الخاص والعام وكان ماهراً في إلقاء الدروس.

أما زهده وروعه فقد بلغ في ذلك درجة رفيعة.

قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقل إلينا شمائله ولا فتخروا به ومن ورعه أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلي الجدار المشترك بينه وبين جيرانه، ولا يدق فيه وتداً، وأنه كان يحتاط في أداء الزكاة، حتي كان يؤدي في سنة واحده مرتين، حذراً من نسيان النية أو دفعها إلي غير المستحق.

ومن ورعه أيضاً أنه كان حريصاً علي أن يكتسب من عمل يده، وأن لا يأكل ولا يطعم أهله وأولاده ما لا فيه شبهة.

وقد ذكر عنه أنه كان في ابتداء أمره يعمل ناسخاً بالأجرة حتى اجتمع له شي فاشترى جارية صالحة ووطئها فلما وضعت إمام الحرمين وأوصاها أن لا ترضعه من غيرها فأرضعته يوماً مرضعة لجيرانهم، فلما علم بذلك أنكر ذلك، واجتهد في تقييئه حتى تقيأها وقال: هذه الجارية ليست ملكاً لنا، وليس لها أن تتصرف في لبنها، وأصحابها لم يأذنوا في ذلك، فانظر إلي هذا الشخص العجيب الذي يحاسب نفسه علي الصغيرة قبل الكبيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015