لقيما ابْن أُخْته فِي مائةٍ من الْإِبِل على السَّبق إِلَى مَوضِع أَيهمَا سبق إِلَيْهِ أَخذهَا. فسبقه لقيم واستاقَ الْإِبِل، فَقدم بِهَا ونَحر وَأهْدى وطبخ وَأطْعم. فَأتى لُقْمَان ابْنَته صحر، فَقدمت إِلَيْهِ لَحمًا مطبوخًا. فَقَالَ: من أَيْن هَذَا اللَّحْم؟ قَالَت: قدم لقيم بِالْإِبِلِ فنحرَ وَأهْدى وَأطْعم، فَهَذَا اللَّحْم من عِنْده. فتأسّف وَغَضب وَضرب برأسها وقتلها، فَضربت الْعَرَب فِي ذَلِكَ الْمثل، وَفِيهِ يَقُول أَبُو دَهْبَل الجُمَحِي، قَالَ أحْمَد بن سعيد: أنشدناهُ الزبير بن بكار لَهُ، قَالَ ابْن الأَنْبَارِيّ: وأنشدناه أَحْمَد بن يَحْيَى أَيْضا عَن الزبير بن بكار لأبي دهبل الجُمَحِي:
اذهبي بِاللَّه فاستسمعي ... خبّريه بِالَّذِي فعلا
واسأليه فيمَ يَصْرِمُنَا ... قد وَصَلْنَاهُ كَمَا وصلا
وتجنَّى حينَ لنتُ لَهُ ... ذنبَ صحرٍ يَبْتَغِي العللا
قَالَ القَاضِي: ولقمان بن عَاد ولقيم معروفان مشهوران عِنْد الْعَرَب، وَلَهُمَا أَخْبَار كَثِيرَة، وَالْعرب تُكثر فِي كَلَامهَا وَأَشْعَارهَا ذكرهمَا، وتضربُ أَمْثَالًا كَثِيرَة بِهما، وَقد قَالَ بعضُ من هجا بني تَميم.
إِذا مَا مَاتَ ميتٌ من تَميم ... فسرَّك أَن يعِيش فجِئ بزادِ
بخبزٍ أَو بلحمٍ أَو بتمرٍ ... أَو الشَّيْء الملفَّف فِي البجاد
تراهُ يطوّفُ الْآفَاق طرًّا ... ليأكلَ رأسَ لُقْمَان بن عَاد
ولقيم هُوَ ابْن لُقْمَان من أُخْته، ولقمان أَبوهُ وخاله، وَذَلِكَ فِيمَا ذكر أهلُ السّير قَالُوا: كَانَ لأخت لُقْمَان زوجٌ مُحْمِق يولدها الحمقى. يُقَال فِي هَذَا الْمَعْنى رجلٌ محمقٌ وَامْرَأَة مُحْمِقة، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
لستُ أُبَالِي أَن أكونَ مُحْمِقَهْ ... إِذا رَأَيْت خصْيةً معلَّقه
فَقَالَت لامْرَأَة أَخِيهَا لُقْمَان: هبي لي لَيْلَة من بعل، قَالَت: وَكَيف السبيلُ إِلَى ذَلِكَ وَفِيهِ تلفي وتلفك؟! قَالَت: السَّبِيل إِلَى ذَلِكَ أَن تسقيه الْخمر، فَإِذا كَانَ يثمل مِنْهَا رفعت الْمِصْبَاح من الْبَيْت وأخليتِ لي فرَاشه، فَفعلت ذَلِكَ.
وَأَوَى لُقْمَان إِلَى فرَاشه فَوَقع عَلَيْهَا وَهُوَ يظنّ أنّها امْرَأَته، لكنه لَمْ يخفَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ فِي سكره، حِين بَاشَرَهَا: هَذَا هنٌ جَدِيد. فاشتملت على لقيمٍ من أَخِيهَا، فَأَتَت بِهِ أدهى من لُقْمَان وَأفضل، وَفِي ذَلِكَ يَقُول النمر بن تولب:
لقيم ابْن لقيمان من أُخْته ... فكانَ ابنَ أختٍ لَهُ وابنما
عَشِيَّة حمِّق فاستضحكت ... إِلَيْهِ فغرَّ بهَا مظلما
فأحبلها رجلٌ نابه ... فَجَاءَت بِهِ رجلا مُحْكما
قَالَ القَاضِي: قد حُكيَ أَن فائلاً ذكر أَن لُقْمَان بن عَاد كَانَ مجوسيًا، وإنَّما توهم هَذَا