الصَّدَقَة من أَنْوَاع الأقوات، وَذكرنَا اخْتِلَاف النَّاس فِي ذَلِكَ والاحتجاجَ لكلّ ذِي مَذْهَب فِيهِ وَعَلَيْهِ فِي موَاضعه من كتبنَا فِي الْفِقْه مشروحًا ملخّصًا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَمه الْأَصْمَعِي أَن رجلا وقفَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَن معنى هَذَا الْبَيْت:
وماذا عَلَيْهَا من قلوصٍ تمرَّغت ... بعِكمين أَو أَلقتهما بالصحاصحِ
فَقَالَ لَهُ عمي: هَذَا الرجلُ كَانَ مُفردا، وَكَانَت عِنْده امرأةٌ فطلَّقها ونكحَ أُخْرَى، فَلَقِيت الْمَرْأَة الأولى صاحبًا للرجل فَقَالَت: مَا فعلتْ صاحبةُ فلَان؟ قَالَ: هِيَ كَمَا يحبّه، فَقَالَت: كلا لقد تمرّغت بعكمين أَي سَاءَ خُلُقها عَلَيْهِ وكرهته، فَبلغ ذَلِك الرجل، وَكَانَ اسْمه الْمَرْأَة الأولى أَسمَاء، فَقَالَ:
نعرَّض أسماءُ الركابَ عشيَّةً ... تسائل عَن ضِغْنِ النساءِ النواكح
وماذا عَلَيْهَا من قلوصٍ تمرَّغت ... بعِكمين أَو ألقتهما بالصحاصح
وَهَذَا مثلٌ، وَلَيْسَ هُناكَ قلوصٌ وَلَا عكمان.
وَحَدَّثَنَا ابْن دُرَيْد قَالَ، أَخْبَرَنَا السكن بْن سَعِيد عَنْ مُحَمَّد بْن عَبّاد عَن هِشَام بن مُحَمَّد قَالَ: كَانَ مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أُميَّة بن عبد شمس من فتيَان قُرَيْش جمالا وسخاءً وشعرًا. فعشق هِنْد بنت عتبَة حَتَّى شُهِرَ أَمرهمَا، فاستحيا وَخرج إِلَى الْحيرَة ليسلوها. فنادم عَمْرو بن هِنْد، وَكَانَ لَهُ مكرمًا؛ ثُمَّ إِن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب تزوَّج هندًا فِي غيبةِ مُسَافر هَذِه. وَخرج أَب سُفْيَان إِلَى الْحيرَة تَاجِرًا، فلقي مُسَافر بن أبي عَمْرو فَسَأَلَهُ عَن مَكَّة وأخبار قُرَيْش، فخبره من ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وإنّي تزوّجتُ هِنْد ابنةَ عتبَة. فأسفَ مُسَافر من ذَلِكَ ومرضَ حَتَّى سُقي بَطْنه، وَقَالَ:
أَلا إِن هندًا أَصبَحت مِنْك مَحرَما ... وأصبحتَ من أدنى حموّتها حما
وأصبحتَ كالمسلوبِ جفنَ سلاحِهِ ... يقلِّب بالكفّين قوسًا وأسهما
فَدَعَا عَمْرو بن هِنْد الأطباءَ فَسَأَلَهُمْ عَن حَاله فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ دَوَاء إِلَّا الكيّ، فَقَالَ لَهُ: مَا ترى؟ قَالَ: افْعَل. فَدَعَا لَهُ طَبِيبا من الْعِباد فأَحْمى مكاويه حَتَّى صَارَت كالنار، ثُمَّ قَالَ: أمسكوهُ لي، فَقَالَ لَهُ مُسَافر: لستُ أحتاج إِلَى ذَلِكَ.
فَجعل يضعُ عَلَيْهِ المكاوي، فلمّا رأى الطبيبُ صبره هاله ذَلِكَ، فَقَالَ مُسَافر: قد يَضْرِطُ العَيْر والمكواة فِي النَّار، فأرسلها مثلا. قَالَ: فَلم يغنه ذَلِكَ شَيْئا.
فَخرج يريدُ مَكَّة فأدركه الْمَوْت بزبالة، فَدفن بِهَا ونعي إِلَى أهل مَكَّة، وَكَانَ أَبُو طَالب ابْن عبد الْمطلب لَهُ نديمًا، فَقَالَ يرثيه: