قَالَ القَاضِي: يتَّجه فِي قَوْله: فِي وَجهه شَافِع يمحو إساءته من الْقُلُوب، أَن يكون الْمَعْنى: يمحو من الْقُلُوب الْإِسَاءَة فيزيلها مِنْهَا، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: فِي وَجهه شَافِع من الْقُلُوب وجيه، وَيكون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَيكون من الْقُلُوب من صلَة شَافِع، وَيشْهد لهَذَا أَنَّهُ قَدْ روى هَذَا الْبَيْت من طَرِيق آخر:
فِي وَجهه شافعٌ يمحُو إساءتَهُ ... مُشَفّعٌ ووجيهٌ حَيْث مَا شفعا
فعلى هَذَا: من الْقُلُوب صفة لشافع كمشفع، والتقديم وَالتَّأْخِير إِذَا دلّت جملَة الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ وعَلى مَوضِع كلّ شَيْءٍ مِنْهُ، كثير فِي اللُّغَة مَشْهُور فِي الْعَرَبيَّة. قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا ".
وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذَا شَاب الْغُرَابُ لقيتُ أَهلِي ... وَصَارَ القَارُ كاللَّبنِ الحَلِيبِ
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، قَالَ: قَالَ لي أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يزِيد الْمبرد الثُّمالي: كَانَ الْأَصْمَعِي يعادي عَبَّاس بن الْأَحْنَف، فَقَالَ عَبَّاس يَوْمَا وَهُوَ بَيْنَ يَدي الرشيد والأصمعي بالحضرة:
إِذَا أَحْبَبْت أَن تع ... مل شَيئًا يعجبُ النّاسَا
فَصَوِّرْ هَا هُنا فَوْزا ... وصَوِّرْ ثَمَّ عَبّاسَا
وَدَعْ بَيْنَهُمَا فِتْرًا ... فَإِن زِدْتَ فَلا بَاسَا
فَإِن لَمْ يَدْنُوَا حَتَّى ... ترى رأسَيْهما رَاسَا
فكذِّبْها بِمَا قاسَتْ ... وَكذبه بِمَا قاسا
فَقَالَ الرشيد: مَا رَأَيْتُ معنى أحسن من هَذَا. فَقَالَ الْأَصْمَعِي: قَدْ سبقه إِلَى هَذَا الْمَعْنى رجلٌ من الْعَرَب وَرجل من النّبط، فَقَالَ: مَا قَالَ الْعَرَبِيّ؟ قَالَ: كَانَ رَجُل يُقَالُ لَهُ عُمر يحبُّ جَارِيَة يُقَالُ لَهَا قمر، فَقَالَ:
إِذَا أحببتَ أَن تُبْ ... صر شَيئًا يُعْجِب البَشَرَا
فَصَوِّرْ هَا هُنَا قَمَرا ... وصَورْ هَا هُنَا عُمرا
فَإِن لَمْ يَدْنُوا حَتَّى ... تَرَى بَشَرَيْهِما بَشَرا
فكذِّبها بِمَا ذَكَرَتْ ... وَكذبه بِمَا ذَكَرَا
قَالَ الرشيد: فَمَا قَالَ النَبَطيُّ؟ قَالَ: كَانَ رَجُل يُقَالُ لَهُ زَوْرا يحب جَارِيَة يُقَالُ لَهَا