فضربته الْعَرَب مثلا.
قَالَ القَاضِي: ذكر بعضُ الْمُحَقِّقين أَن الْكَلَام الفصيح بلحٌ بِضَم الْبَاء، كم قَالَ الْأَعْشَى:
مثل مَا مُدّت نصاحاتُ الْبُلَح
ويروى: مثل مَا مدَّت نِصَاحاتُ الرُّبح وَقَوله: " حَتَّى تشقّح " أَي حَتَّى تزهو وَتظهر فِيهَا حمرةٌ أَو صفرَة. جَاءَ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَشْقَحَ. وَأرى أَنَّهُ قيلَ فِيهَا ذَلِكَ لأنَّها حِينَئِذٍ يفارقها خلوص الخضرة ولَمَّا تتكامل فِيهَا الْحمرَة أَو الصُّفْرَة فَلَيْسَتْ لَهَا حلاوة. وَهَذَا من مَشْهُور أَمْثَال الْعَرَب وَقد ذكره كَعْب بن زُهَيْر فِي كَلمته الَّتِي قَالَهَا فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه فِيهَا، وَاعْتذر إِلَيْهِ وَأظْهر تَوْبَته من سالِفِ كفره، وَرغب إِلَيْهِ فِي عَفوه عَنهُ، وإعفائه ممّا توعّده بِهِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
نُبّئتُ أنَّ رسولَ الله أوعدني ... وَالْعَفو عندَ رسولِ اللهِ مَأْمُولُ
وبيته الَّذِي ذكر فِيهِ عرقوبًا فِي هَذِه الْكَلِمَة قَوْله:
كَانَت مواعيدُ عرقوبٍ لَهَا مثلا ... وَمَا مواعيدها إلاَّ الأباطيلُ
حَدَّثَنِي عُبَيْد الله بن مُسلم الْحَارِثِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفضل الْهَاشِمِي الربعِي قَالَ، وحَدَّثَنِي سُلَيْمَان بن أبي شيخ قَالَ، قَالَ يَحْيَى بن خَالِد: مَنِ استقلَّ اصطناعَ الْمَعْرُوف حُرِمَ، ثُمَّ أنشأ يَقُول:
إِذا تكرَّمت عَن بَذْلِ القليلِ ولَمْ ... تَقْدِر على سعةٍ لَمْ يَظْهَرِ الجودُ
بثَّ النوالَ وَلَا تَمْنَعْكَ قلَّته ... فكلُّ مَا سدَّ فقرا فَهُوَ محمودُ
قَالَ القَاضِي: اسْتِقْلَال الْمُعْطِي عطاءه حتّى يَمنعه، يحرمه أجره وشكره، واستقلال الْمُعْطَى يحرمه من مستقلِّ الْعَطاء كَثِيرَة ووفيره، وَقد جَاءَ فِي الْأَثر: من يسْتَقلّ قليلَ الرزق يُحرم كَثِيره.
وَرُوِيَ فِي نَحو هَذَا بِإِسْنَاد لَمْ يحضرني فِي هَذَا الْوَقْت ذكره، وَقد عُزي إِلَى الْمَأْمُون أَنَّهُ قَالَ وَذكر هَذَا الْمَعْنى:
قدِّم طعامَكَ وابذله لآكِلِهِ ... واحلفْ على مَن أَبى واشكرْ لِمَن أكلا
وَلَا تكنْ سابريَّ العَرْضِ محتشمًا ... من الْقَلِيل فلسْت الدَّهر محتفلا