" النِّسَاء: 104 " إِن معناهُ وتَخافونَ من الله مَالا يخَافُونَ، وممَّن قَالَ هَذَا قطرب.

قَالَ القَاضِي: كأنَّما اختزل الرَّجَاء بَين الأمل وَالْخَوْف لأنَّهما مِمَّا ينْتَظر ويُرْتَجى ويُتوقّع، وَلَيْسَ المخلوقون مِنْهُ على أمرٍ يثقون بِهِ ويرقبونه ويقطعون عَلَيْهِ بِعَيْنِه. وأنكرَ الفرّاء مَا ذكره قطرب فِي هَذَا الْموضع وَقَالَ: الْعَرَب تذهبُ بالرجاء مَذْهَب الْخَوْف فِي الْإِثْبَات، وإنَّما تفعل هَذَا فِي الْجحْد وَالنَّفْي. والأحوص بن مُحَمَّد الشَّاعِر من ولد عَاصِم بن ثَابت هَذَا.

حَنْظَلَة الغسيل

وأمّا ذكره فِي الْخَبَر الغسيل فَإِن الغسيل حَنْظَلَة بن أبي عَامِر، وَاسم أبي عامرٍ عبد عَمْرو، وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتشْهد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحد، فَأخْبر أَصْحَابه أَنَّهُ رأى الْمَلَائِكَة تُغسله، فَأرْسل إِلَى امْرَأَته فَسَأَلَهَا عَن أمره فَأَخْبَرته أَنَّهُ كَانَ مضاجعها فَلَمَّا اسْتنْفرَ للْجِهَاد مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَن بَطنهَا مبادرًا وَلم يغْتَسل، فَقَالَ: إِنِّي رأيتُ الْمَلَائِكَة تغسله. وَكَانَ أَبُو حنيفَة يرى أَن شهيدَ المعركة إِذا قتل جُنبًا فواجبٌ على الْمُسلمين غسله، ويحتج بِقصَّة حَنْظَلَة هَذِه، وَكَانَ أَصْحَابه وَغَيرهم مِمَّن يذهب إِلَى أَن لَا يغسل الشَّهِيد يرونَ أَن الْجنب وَغَيره سَوَاء فِي ترك الْغسْل، وَإِلَى هَذَا نَذْهَب والاحتجاج فِيهِ مرسومٌ فِي كتبنَا الْمُؤَلّفَة فِي الْفِقْه. وَأَبُو عَامِر أَبُو حَنْظَلَة كَانَ يُقال لَهُ الراهب، فسمّاهُ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاسِق، وَكَانَ مِمَّن سعى فِي بِنَاء مَسْجِد الضرار الَّذِي ذكره الله عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه، وَالله تَعَالَى يَقُول: " والّذين اتّخذو مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُسلمين وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وليحلفنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى واللَّه يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " " التَّوْبَة: 107 ".

رِوَايَة أُخْرَى فِي خبر الْأَحْوَص وزين الغدير قَالَ القَاضِي: وَقد كَانَ ابْن الْأَنْبَارِي أمْلى علينا خبر الْأَحْوَص وزين الغدير بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد وعَلى مخالفةٍ فِي مَوَاضِع من الْمَتْن، فَإِن كنت قد رسمته فِيمَا مضى من هَذِه الْمجَالِس فَفِي هَذِه الرِّوَايَة زيادةٌ لَيست فِيهِ، وَإِن كَانَ فِيمَا مضى فَاتَنِي فإنني آتِي بِما أحفظه من جملَته ليحصل بِما أثْبته مِنْهُ مَا فِيهِ من زِيَادَة من غير إطالة بِذكر إِسْنَاده وأعيان أَلْفَاظه، وَهُوَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي وصفت أمرهَا أَن يزِيد بن الْوَلِيد كتب إِلَى الضحّاك بن مُحَمَّد عَامله على الْمَدِينَة أَن وجِّه إليَّ الْأَحْوَص بن مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ الشَّاعِر ومعبدًا الْمُغنِي، فجهزهما وَأَمرهمَا بِالْمَسِيرِ، فَكَانَا ينزلان فِي طريقهما للْأَكْل وَالشرب إِلَى أَن أَتَيَا البلقاء، وَهُوَ منزل بَين الْمَدِينَة وَالشَّام، فَجَلَسَا هُنَالك فأكلا، وجلسا على نَهرها. فَإِذا هما بِجَارِيَة قد خرجت من قصرٍ هُنَالك وَمَعَهَا جرٌّ، فاستقت فِيهِ من الغدير، ثُمَّ إنَّها أَلْقَت الجرّ فانكسر فَجَلَست تبْكي، فَسَأَلَاهَا عَن شأنِها وَلمن كَانَت، فَقَالَت: لرجلٍ بِمكة من قُرَيْش، فاشتراني صَاحب هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015