عبدُ شمسٍ كَانَ يَتْلُو هاشمًا ... وهما بعدُ لأمٍّ ولأب
فَصِلِ الْأَرْحَام منَّا إنَّما ... عبدُ شمسٍ عمُّ عبدِ المطلّب
قَالَ: فَأمر لَهُ الرشيد بجائزة عَظِيمَة فأحضرت فقبضها ثُمَّ خرج، وَخرجت لألحقه وأُضيفَ إِلَى جَائِزَة أَمِير الْمُؤمنِينَ صلَة من مَالِي فَلم أَرَهُ، فأمرتُ بِطَلَبِهِ فَلم أَجِدهُ. قَالَ القَاضِي: قَوْله فِي هَذَا الْخَبَر: " وأمتُّ إِلَيْهِ برحمي " أَي أُدْلِي، وَمثله أمطُّ وأمدّ.
حَدَّثَنَا عبيد الله بْن محمَّد بْن جَعْفَر الأَزْدِيّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أبي الدُّنْيَا قَالَ، حَدَّثَنِي الْقَاسِم بن هَاشم أَبُو محْمَد قَالَ، حَدَّثَنَا الحكم بن نَافِع قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَان بن عَمْرو عَن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيّ أَن ذَا القرنين أَتَى على أمة من الْأُمَم لَيْسَ فِي أَيْديهم شيءٌ مِمَّا يسْتَمْتع بِهِ النَّاس من دنياهم، قد احتفروا قبورًا، فَإِذا أَصْبحُوا تعهّدوا تِلْكَ الْقُبُور فكنسوها وصلَّوا عِنْدهَا، ورعوا البقل كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِم، وَقد قُيّض لَهم فِي ذَلِكَ معاش من نَبَات الأَرْض، فأرسلَ ذُو القرنين إِلَى ملكهم فَقَالَ لَهُ: أجب الْملك ذَا القرنين، فَقَالَ: مَالِي إِلَيْهِ حَاجَة، فَأقبل إِلَيْهِ ذُو القرنين فَقَالَ: إِنِّي أرْسَلْتُ إليكَ لتَأْتِيني فأبيت، أَنا ذَا قد جئْتُك، فَقَالَ لَهُ: لَو كَانَت لي إليكَ حاجةٌ لأتيتُكَ، فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين: مَا لي أَرَاكُم على الْحَال الَّتِي رَأَيْت لَمْ أرَ أحدا من الْأُمَم عَلَيْهَا؟ قَالُوا: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: لَيْسَ لكم دنيا وَلَا شَيْء، أَفلا اتّخذتُم الذّهبَ والفضَّة فاستمتعتم بِهَا؟ فَقَالُوا: إنَّما كرهناها لِأَن أحدا لَمْ يُعطَ مِنْهَا شَيْئا إِلَّا تاقت نَفسه وَدَعَتْهُ إِلَى أفضل مِنْهُ، فَقَالَ: مَا بالكم قد احتفرتم قبورًا فَإِذا أَصْبَحْتُم تعهدتموها فكنستموها وصليتم عِنْدهَا؟ قَالُوا: أردنَا إِذا نَظرنَا إِلَيْهَا فأمَّلنا الدُّنْيَا منعتنا قبورنا من الأمل، قَالَ: وأراكم لَا طَعَام لكم إِلَّا البقل من الأَرْض، أَفلا اتّخذتم الْبَهَائِم من الْأَنْعَام فاحتلبتموها وركبتموها وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا؟ قَالُوا: كرهنا أَن نجعلَ بطوننا قبورًا لَهَا، ورأينا أَن فِي نَبَات الأَرْض بلاغًا، وإنَّما يَكْفِي ابْن آدم أدْنَى الْعَيْش من الطَّعَام وإنّ مَا جاوزَ الحنك لَمْ نجد لَهُ طعمًا كَائِنا مَا كَانَ من الطَّعَام. ثُمَّ بسط ملك تِلْكَ الأَرْض يَده خلف ذِي القرنين فَتَنَاول جمجمة فَقَالَ: يَا ذَا القرنين أَتَدْرِي من هَذَا؟ قَالَ: لَا، وَمن هُوَ؟ قَالَ: ملكٌ من مُلُوك الأَرْض أعطاهُ الله سُلْطَانا على أهل الأَرْض فغشم وظلم وعتا، فلمَّا رأى الله عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ حسمه بِالْمَوْتِ، فَصَارَ كالحجر الْملقى قد أحصى الله عَلَيْهِ عمله حَتَّى يجْزِيه فِي الْآخِرَة. ثُمَّ تنَاول جمجمة أُخْرَى فَقَالَ: يَا ذَا القرنين هَلْ تَدْرِي من هَذَا؟ قَالَ: لَا، وَمن هُوَ؟ قَالَ: هَذَا ملك ملّكه الله بعدهمْ، قد كَانَ يرى مَا يصنع الَّذِي قبله بِالنَّاسِ من الغشم وَالظُّلم والتجبّر، فتواضع وخشع لله عَزَّ وَجَلَّ وَعمل بِالْعَدْلِ فِي أهل مَمْلَكَته فَصَارَ كَمَا ترى، قد أحصى الله عَلَيْهِ عمله حَتَّى يجْزِيه فِي آخرته. ثُمَّ أَهْوى إِلَى جُمجمة ذِي القرنين فَقَالَ: وَهَذِه الجمجمة كَأَن قد كَانَت كهاتين، فَانْظُر يَا