قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ لَنَا أَبُو حسن ابْن الْبَرَاءِ، قَالَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ: مَعْنَى تَمَثُّلِ عَائِشَةَ بِهَذَا الْبَيْت: لتصنع الْعَرَب بعد عليٍّما شَاءَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا مَنْ يَقْمَعُهَا وَيَصْرِفُهَا عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الحقِّ. قَالَ: ثمِّ قَالَتْ عَائِشَةُ بَعْدَ تَمَثُّلِهَا بِهَذَا الْبَيْتِ: إِنْ كَانَ لَمِنْ أَكْرَمِ رِجَالِنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم.
قَالَ: ولَمَّا نُعِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تمثَّل بِأَبْيَات لبيد:
قُضِيَ القضاءُ وأُنْجِزَ الموعودُ ... وَالله ربِّي ماجدٌ محمودُ
وَله النَّوَافِل والفضائل كلُّها ... وَله أثيثُ الْخَيْر والمعدودُ
وَلَقَد بَلَتْ إرمٌ وعادٌ كيدهُ ... وَلَقَد بَلَتْهُ قبلَ ذَاك ثَمودُ
خلَّوا ثيابَهُم على عوراتِهم ... فهم بأفنية الْبيُوت همود
ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قد كنتُ حذَّرت الغداةَ محرّقًا ... فَأَتَت منيّته الحذارَ النّاجزا
تَمثل ابْن الزبير وَابْن عَبَّاس حِين بلغهما نعي مُعَاوِيَة ولَمَّا نُعي مُعَاوِيَة قَالَ عبد الله بن الزبير: ذهب وَالله عزُّ بني أميَّة، كَانَ وَالله كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
رَكُوبُ المنابرِ ذُو همّةٍ ... معنٌّ بخطبته مجْهَرُ
تثوبُ إِلَيْهِ هوادي الْكَلَام ... إِذا ضلَّ خطْبته الْمِهْمَر
ولِمّا بلغ نعيهُ عبدَ الله بن الْعَبَّاس قَالَ:
جبلٌ تصدَّع ثُمَّ مَال بركنِهِ ... فِي الْبَحْر لَا رُتِقَتْ عَلَيْهِ الأبحرُ
قَالَ: ولَمَّا نُعي عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ:
مَاذَا رزئنا بِهِ من حيّةٍ ذَكَرٍ ... نضناضةٍ للمنايا صلِّ أصلالِ
ولاّجةٍ من ذرى الْأَهْوَال إِن نزلت ... خرَّاجةٍ من ذراها غير زيَّال
قَالَ: ولمَّا نُعي الفرزدق إِلَى جرير وَهُوَ بالبادية اعْترض الطَّرِيق فَإِذا أَعْرَابِي على قعودٍ لَهُ، فَقَالَ لَهُ جرير: من أَيْن وممَّن؟ قَالَ: من الْبَصْرَة وَمن بني حَنْظَلَة، قَالَ: هَلْ من جائية خبر؟ قَالَ: نعم، بَينا أَنا بالمربد فَإِذا أَنا بِجنَازَة عَظِيمَة قد جفل لَهَا النَّاس فِيهَا الْحَسَن بن أبي الْحَسَن الْبَصْرِيّ فقلتُ: من؟ قَالُوا: الفرزدق، فَبكى جرير بكاء شَدِيدا فَقَالَ لَهُ قومه: أَتَبْكِي على رجلٍ يهجوكَ وتهجوه مذ أَرْبَعُونَ سنة؟ قَالَ: إِلَيْكُم عَنِّي فوَاللَّه مَا تبارى رجلانِ وَلَا تناطحَ كبشان فَمَاتَ أَحدهمَا إِلَّا تبعه الآخر عَن قريب. وأنشدنا أبي الأبيات