لَا يَأْخُذُ اللَّيْلُ عَلَيْكَ بِالْهَمِّ ... والبس لَهُ هَذَا الْقَمِيص واعم
وَكُنْ شَرِيكَ رافعٍ وَأَسْلَمَ ... ثُمَّ اخْدِمِ الأَقْوَامَ حَتَّى تُخْدَمِ
قَالَ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَيْقَظْتَنَا لَكَفَيْنَاكَ.
قَالَ القَاضِي: كَأَن أَبَا تَمام سمع هَذَا فَأخذ مِنْهُ قَوْله:
فَمن خدم الأقوام يَرْجُو نوالهم ... فَإِنِّي لم أخدمك إِلَّا لأخدما
وَقَوله: مؤمله حَتَّى مؤملا
وروينا فِي معنى مَا فعله عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا أَتَى هَذَا الْخَبَر بِهِ عَن بعض السّلف أَنه قَالَ لَا بن عمر بْن عبد الْعَزِيز: مَا رَأَيْت رجلا أكْرم من أَبِيك، سمرت مَعَه ذَات ليلةٍ فَخفت الْمِصْبَاح، فَقَامَ إِلَيْهِ فأصلحه، فَقلت لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هلا أمرت بإصلاحه، فَقَالَ: قُمْت وَأَنا عمر بْن عبد الْعَزِيز وَرجعت وَأَنا عمر بْن عبد الْعَزِيز.
وَرُوِيَ نَحْو هَذَا عَن الأبرش الْكَلْبِيّ وَقد قَامَ ليصلح الْمِصْبَاح، فَقَالَ لَهُ صَاحب الْمجْلس: مَه لَيْسَ من الْمُرُوءَة أَن يستخدم الرجل ضَيفه؛ ويروى أَنه قَالَ: إِنَّا لَا نتَّخذ الإخوان خولا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْن دُرَيْد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ أخبرنَا الْأَصْمَعِي عَن أَبِي عَمْرو بْن الْعَلاء قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُرَادٍ وَبَيْنَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قِتَالٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاسْتَعَانَتْ بَنُو الْحَارِثِ بِهَمْدَانَ عَلَى مُرَادٍ، فَقُتِلَ مِنْ هَؤُلاءِ أَلْفٌ وَمِنْ هَؤُلاءِ أَلْفٌ، وَذَلِكَ يَوْمَ الرَّزْمِ، فَدَخَلَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ عَنْ قَوْمِكَ يَوْمَ الرَّزْمِ؟ فَقَالَ فَرْوَةُ: يَا رَسُولَ الله:
إِن نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْمًا ... وَإِنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزَّمِينَا
كَذَاكَ الْحَرْبُ صَوْلَتُهَا سِجَالٌ ... تَكِرُّ صُرُوفُهَا حِينًا فَحِينَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَدْتُ هَذَا، وَأَنَّ الَّذِي أُصِيبَ بِهِ قَوْمُكَ هُوَ الَّذِي حَرَّضَهُمْ عَلَى الإِسْلامِ.
حَدثنَا أَبُو طَالب الْكَاتِب عليّ بْن مُحَمَّد بْن الجهم قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْن مَنْصُور الزيَادي قَالَ حَدَّثَنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أَخْبَرَنَا معمر عَن زِيَاد بْن جبل عَن أَبِي كَعْب الْحَارِثِيّ، وَهُوَ ذُو الْإِدَاوَة، قَالَ: سمعته يَقُول: خرجت فِي طلب إبل لي ضوال، فتزودت لَبَنًا فِي إداوة، قَالَ ثُمَّ قلت فِي نَفسِي: مَا أنصفت رَبِّي فَأَيْنَ الْوضُوء؟ قَالَ: فهرقت اللَّبن وملأتها مَاء، فَقلت: هَذَا وضوء وَهَذَا شراب، قَالَ فَكنت أبغي إبلي فَإِذا أردْت أَن أتوضأ اصطببت من الْإِدَاوَة مَاء فَتَوَضَّأت، وَإِذا أردْت أَن أشْرب اصطببت لَبَنًا فَشَربته، فَمَكثت بذلك ثَلَاثًا فَقَالَت لَهُ أَسمَاء النجرانية: يَا أَبَا كَعْب أحقينًا كَانَ أم حليبًا، فَقَالَ: إِنَّك لظالمة، كَانَ