قَالَ القَاضِي: قَوْله وَلَا متلقٍ لَهُ بِالْجَرِّ، وَقد عطفه على قَوْله: فلست مشيعه وَهُوَ مَنْصُوب لِأَن قَوْله: فلست مشيعه بِمَعْنى: فلست بمشيعه، وَمن هَذَا قَول زُهَيْر:
بدا لي أَنِّي لست مدرك ماضى ... وَلَا سابقٍ شَيْئا إِذا كَانَ جائيا
وَقد اسْتشْهد النُّحَاة فِي هَذَا الْوَجْه بقول امْرِئ الْقَيْس:
فظل طهاة اللَّحْم من بَين منضجٍ ... صفيف شواءٍ أَو قديرٍ معجل
وَقَالُوا: قد عطف على قَوْله: صفيف شواء، وَحمل هَذَا بَعضهم على أَنه مَعْطُوف على قَوْله: شواء وَتَأَول هَذَا بَعضهم على الْجوَار كَمَا حُكيَ هَذَا جُحر ضبٍ خربٍ، وَهَذَا بَاب يَتَّسِع القَوْل فِيهِ، وَلنَا فِيهِ كَلَام كثير مشروح فِي مَوَاضِع من كتبنَا فِي الْقُرْآن وَالْفِقْه والنحو.
حَدثنَا عبد لاله بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الأَزْدِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أبي الدُّنْيَا قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن الْوَلِيد الْحَنْظَلِي قَالَ: سَمِعت عمر بْن ذَر يذكر أَنه بلغه عَن مَيْمُون بْن مهْرَان أَنه قَالَ: دخلت على عمر بْن عبد الْعَزِيز يَوْمًا وَعِنْده سَابق الْبَرْبَرِي الشَّاعِر فَانْتهى فِي شعره إِلَى هَذِه الأبيات:
فكم من صَحِيح بَات للْمَوْت آمنا ... أَتَتْهُ المنايا بَغْتَة بَعْدَمَا هجع
فَلم يسْتَطع إِذْ جَاءَهُ الْمَوْت بَغْتَة ... فِرَارًا وَلَا مِنْهُ بحيلته امْتنع
فَأصْبح تبكيه النِّسَاء مقنعا ... وَلَا يسمع الدَّاعِي وَإِن صَوته رفع
وَقرب من لحدٍ فَصَارَ مقِيله ... وَفَارق مَا قد كَانَ بالْأَمْس قد جمع
فَلَا يتْرك الْمَوْت الْغَنِيّ لمَاله ... وَلَا معدمًا فِي المَال ذَا حَاجَة يدع
فَلم يزل عمر يضطرب ويبكي حَتَّى غشي عَلَيْهِ، قَالَ: فقمنا فانصرفنا عَنْهُ.
أنشدنا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي قَالَ: أنشدنا الْمبرد:
ولي حَاجَة قد راث عني نَجَاحهَا ... وجودك أجدى وافدٍ فِي اقتضائها
وَمَال شَفِيع غير نَفسك إِنَّنِي ات؟ ... كلت من الدُّنْيَا على حسن رائها
عطاؤك لَا يفنى ويستغرق المنى ... وَتبقى وُجُوه الراغبين بِمَائِهَا
شَكَوْت وَمَا الشكوى لنَفْسي عَادَة ... وَلَكِن تفيض النَّفس عِنْد امتلائها