فَإِنِّي وجدت الْحبّ كالنار حره ... وحلوًا وَمَرا بعد ذَاك فظيعا
فَمن مسرع يَأْتِي الإِمَام بمنطقي ... ويبلغني مِنْهُ الْجَواب سَرِيعا
لطفت أَمِير الْمُؤمنِينَ لهاشمٍ ... وَكنت لَهَا بعد المحول ربيعا
فأديت حق الله فِي بر والدٍ ... فَلَا تَكُ للْبَاقِي هديت مضيعا
رفعنَا وَأَنْتُم بالحبيب محمدٍ ... وَكَانَ على الْخلق النَّبِي رفيعا
فأعمامه كُنْتُم وَكَانَ ابْن أُخْتنَا ... فَجَاءَت بِهِ طلق الْيَدَيْنِ قريعا
فَلَنْ يقبل الرَّحْمَن برا لوالدٍ ... إِذا لم يبر الْوَالِدين جَمِيعًا
فقد أَمر الرَّحْمَن بِالْبرِّ فيهمَا ... فَكُن فيهمَا يَا ابْن الْكِرَام مُطيعًا
قَالَ: فَألْحق بني زهرَة فِي الْعَطاء ببني هَاشم يَوْمئِذٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيد قَالَ: سَمِعت أَحْمَد بْن يحيى ثَعْلَب يَقُول: دخلت على أَحْمَد بْن حَنْبَل فَرَأَيْت رجلا تهمه نَفسه لَا يحب أَن يكثر عَلَيْهِ كَأَن النيرَان قد سعرت بَين يَدَيْهِ، فَمَا زلت أرْفق بِهِ، وتوسلت بالشيبانية إِلَيْهِ فَقلت: أَنا من مواليك يَا أَبَا عَبد اللَّه، وَذكرت لَهُ عَبد اللَّه بْن الْفرج، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَعبد الله بْن الْفرج هَذَا من صالحي أهل الْبَلَد فقرم إِلَى حَدِيثي وانبسط إِلَيّ وَقَالَ: فِي أَي شيءٍ نظرت؟ فَقلت: فِي علم اللُّغَة وَالشعر، فَقَالَ: مَرَرْت بِالْبَصْرَةِ وَجَمَاعَة يَكْتُبُونَ الشّعْر عَن رجل، فَقيل لي هَذَا أَبُو نواس، فتخللت النَّاس ورآني، فَلَمَّا جَلَست أمل علينا:
إِذا مَا خلوت الدَّهْر يَوْمًا فَلَا تقل ... خلوت وَلَكِن قل عَليّ رَقِيب
وَلَا تحسبن الله يغْفل سَاعَة ... وَلَا أَن مَا يخفى عَلَيْهِ يغيب
لهونا لعمر الله حَتَّى تَتَابَعَت ... ذنُوب على آثارهن ذنُوب
فيا لَيْت أَن الله يغْفر مَا مضى ... وَيَأْذَن فِي توباتنا فنتوب
ثمَّ أطرق، فَعلمت أَنه قد مل، فَسلمت وانصرفت.
قَالَ مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس: فَحدث أَبِي بِهَذَا عَبد اللَّه بْن المعتز وَأَنا حَاضر أسمع فأنشده الأبيات، فَقَالَ لنا عَبد اللَّه: هَذِه الأبيات لأبي نواس من زهدياته.
قَالَ مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس: فَنَظَرت فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ النَّاس عَن أَبِي عَبد اللَّه هَل رأى أَبَا نواس فَوجدت فِيمَا حَدَّثَنَا عَبد اللَّه بطرِيق خُرَاسَان وَهُوَ قَاضِي النَّاحِيَة قَالَ: سَمِعت أَبِي يَقُول: كنت فِي الْبَصْرَة فِي مجْلِس ابْن علية فَالْتَفت فَإِذا بداعابةٍ وَضحك، وَإِذا بِأبي نواس يكْتب عَنْهُ من زهدياته.